كتب وليد شقير في نداء الوطن:
بلقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اليوم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، تعود الإدارة الدولية لأزمة لبنان إلى دائرة الضوء بعدما كانت خفتت وتراجعت أمام نجاح “الإدارة” الإيرانية – العونية لهذه الأزمة، فنجحت الأخيرة في إحباط الهدف الأول للمجتمع الدولي، ألا وهو تشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين وغير حزبيين، كشرط لإنجاح الإرادة الدولية بانتشال البلد من مأزقه المالي الاقتصادي والسياسي، مع تداعياته الاجتماعية الهائلة على الصعد كافة.
فالمنظومة الحاكمة و”حزب الله” من ورائها، بقيت مصرة طوال 13 شهراً من الفراغ الحكومي على إفراغ هدف تلك الإرادة الدولية من مضمونه، بقيام الحكومة التي بالإمكان الركون إليها لتغيير المسار الانحداري الذي تحكّم بلبنان، إلى أن سلّمت باريس ومعها سائر العواصم بقيام “أي حكومة” لتفادي الانهيار الكامل للبنان والحؤول دون سقوطه الكامل، بحيث يصعب إنقاذه ولملمة أشلائه بعدها، ولتجنب وقوعه تحت النفوذ الإيراني بالكامل لاحقاً.
وإذا كانت دعوة ماكرون ميقاتي إلى غداء عمل اليوم، تعيد الاعتبار للاهتمام الخارجي بلبنان وبالأزمة البنيوية التي تعصف به، وتعطي دفعاً للحكومة الجديدة ورئيسها بعد 5 أيام على نيلها ثقة البرلمان، وتشحن طموح ميقاتي بإمكان تلقي الدعم الدولي للإجراءات التي ينوي القيام بها في سياق “معاً للإنقاذ”، فإن الأخير يزور العاصمة الفرنسية مدركاً سلفاً بوجوب التواضع في الأهداف التي عليه تحقيقها خلال 6 إلى 7 أشهر من عمر حكومته المقبلة على انتخابات نيابية في أيار المقبل. هذا مع الأخذ في الاعتبار أن الحملات الانتخابية ستلقي بظلها على تلك الإجراءات إما من باب المزايدة أو من باب سعي بعض الفرقاء إلى الإفادة من أي دعم مالي لتوظيفه فيها.
الطريقة التي انتهى إليها تأليف الحكومة، حتى لو التبس أمر حصول الفريق الرئاسي على الثلث المعطل فيها بالنسبة إلى البعض، والخطوات التي أقدم عليها “حزب الله” مستعرضاً قوته بالانتصار على “الحصار الأميركي” عبر استقدامه المازوت الإيراني وطريقة إدخاله إلى الأراضي اللبنانية، بعدما انسجم مع التوافق الإيراني الفرنسي على إنهاء الفراغ، كلها أمور ستكون مدار تقويم بين ماكرون وميقاتي، الذي لم يوارب حين قال في مقابلة تلفزيونية إن الكلمة الفصل في البلد لـ”حزب الله”. فتناول الظروف التي أحاطت بالتأليف لا بد منه لتحديد معالم المرحلة المقبلة ونوع الخطوات الممكنة مما تبقى من خريطة الطريق الفرنسية. وقد يكون استباقاً للقاء القول إن الرجلين سيبحثان ما تضج به بيروت عن التهديد الذي تلقاه المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، من مسؤول الأمن والارتباط في “حزب الله” الحاج وفيق صفا، إذا كانا سيراجعان عناوين خريطة الطريق الفرنسية التي نصت في إحدى نقاط البند الرابع منها على “تحقيق محايد ومستقل” حول الانفجار.
في كل الأحوال، من الطبيعي أن تتواضع أهداف ميقاتي التي ينوي تحقيقها في الأشهر القليلة من عمر حكومته على رغم الـ41 نقطة وعنواناً التي تضمنها بيانها الوزاري أمام مجلس النواب، أسوة بـ”تواضع” طموح ماكرون بحكومة الاختصاصيين المستقلين القادرين على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة. فباريس مثل غيرها تجاوزت المقاييس التي كانت وضعتها حين أطلقت مبادرتها بعدما يئست من عرقلتها من قبل الفريق الرئاسي. ولا بد من أن ينعكس ذلك على الأهداف التي يفترض أن تحققها الحكومة.
أهداف الحكومة الجديدة المتواضعة هي:
1- استئناف التفاوض مع صندوق النقد الدولي، لكن التوصل إلى نتائج نهائية قد يتأجل لأن بعض الإجراءات المطلوبة من الصندوق يتطلب اتخاذها وقتاً أكثر من عمر الحكومة، فيما الانتخابات النيابية قد تتيح الإقرار النهائي لبعض الإجراءات الضرورية غير المقبولة شعبياً.
2- تحديد الأولويات التي سينفق فيها مبلغ المليار و135 مليون دولار الذي حصل عليه لبنان من حقوق السحب الخاصة من صندوق النقد، وتخصيص كل مجال (الكهرباء أحدها) بأرقام المبالغ التي ستنفق عليه، مع اتباع آلية رقابية ومحاسبية دقيقة وشفافة يطلع من خلالها المجتمع الدولي على تفاصيلها، بدقة.
3- الإسراع في البطاقة التمويلية مع تأمين تمويلها من قروض سابقة من البنك الدولي مخصصة لقطاعات معينة، وتحويلها إلى تمويل البطاقة، والباقي يجرى تمويله من المليار و135 مليون دولار.
4- زيادة التغذية بالطاقة الكهربائية إلى 14 ساعة، مع تلزيم أحد معامل الكهرباء بالتعاون مع شركتي “سيمنز” و”جنرال إلكتريك”.
ويبحث ميقاتي مع المعنيين في فكرة زيادة أجور القطاع العام مع نهاية السنة، بنسبة يجرى التداول في سقفها، لكن الخبراء يعتقدون أن الإقدام على خطوة كهذه قبل إنجاز الاتفاق مع صندوق النقد محفوفة بالمخاطر.