صلى البابا فرنسيس مرارا من أجل لبنان، مؤكداً ان “لا يمكننا أن نترك لبنان في عزلته”. كما أعرب في مناسبات عدة عن رغبته في زيارة لبنان، البلد الذي وصفه بأنه “رسالة حرية، ومثال على التعددية بين الشرق والغرب”. وتوجّه إلى اللبنانيين بالقول “لا تتخلوا عن منازلكم وعن تراثكم”.
وتجلت قمة اهتمامات البابا بلبنان من خلال لقاء “التأمل والصلاة من أجل لبنان” الذي عقده في أول تموز الماضي وجمع حوله عشرة من رؤساء الكنائس المسيحية، لبحث سبل الخروج من الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تعصف ببلاد الأرز منذ انفجار مرفأ بيروت في آب 2020. ودعا إلى “الصلاة روحيا من أجل هذا البلد الغارق في أزمة غير مسبوقة” لكي يظهر مجددا وجهه، “وجه السلام”.
وكان البابا قد أعلن في أكثر من مناسبة عن نيته زيارة لبنان، وفي السياق، أفاد الأسقف بول ريتشارد غالاغر الذي يتولى منصب وزير خارجية الكرسي الرسولي، في حديث صحافي في تموز الماضي، إن الزيارة “يمكن” أن تتم في نهاية 2021 أو مطلع 2022، ويفضّل بعد تشكيل حكومة جديدة. اليوم، أصبح للبنان حكومة، فهل من زيارة مرتقبة للبابا فرنسيس الى لبنان؟
سفير لبنان لدى الفاتيكان فريد الخازن أكد لـ”المركزية” “ان البابا كان يتحدث باتجاه تشجيع لبنان كي تتشكل الحكومة، لكن لم يربط زيارته بموضوع تشكيل الحكومة. هناك نية عند قداسة البابا لكن لا زيارة في المدى القريب. ولا ننسى ان البابا قدم للبنان أكثر من أي احد آخر، من خلال الاجتماع الذي عقده في الفاتيكان في اول تموز بحضوره شخصياً من الصباح حتى المساء وحضور كل الاجتماعات واللقاءات، فضلا عن الدعم الدائم للبنان على المستويات كافة”.
وعن دعم المدارس الكاثوليكية التي تمر بأزمة غير مسبوقة، فأشار الخازن الى “ان الفاتيكان بدأ يساعد ويهتم ويتابع منذ أكثر من سنة. وهناك متابعة جدية لهذا الموضوع من الفاتيكان عبر السفارة البابوية وتم تشكيل لجنة للمتابعة لتقديم الدعم بكل الوسائل سواء موضوع المدارس او الجامعات او كل المستويات”.
ولفت الخازن الى “ان هناك ترحيبا كبيرا وارتياحا بتشكيل الحكومة اكان بالنسبة الى الكرسي الرسولي او المجتمع الدولي وقد لمسته وسمعته من أطراف عدة. فالمجتمع الدولي كان بانتظار حكومة وسلطة يتمكن من التحدث والتعامل معها من اجل مصلحة لبنان. اما وقد تشكلت الحكومة وهذا امر جيد، فهناك ترحيب كبير وإرادة بالدعم بكل الوسائل المتاحة، سواء بالنسبة للفاتيكان او لغيره، من أجل انتشال البلد من الازمة الاقتصادية والاجتماعية، وهذا امر حقيقي وجديّ والمسألة ستظهر في وقت قريب، شرط ان يتم التعامل من قبل الاطراف اللبنانية مع هذا الدعم بشفافية مطلقة وتنفيذ الاصلاحات المطلوبة والمشاريع وفق المعايير المتبعة في هذه الدول المانحة”.
وأشار الخازن ان “خلافا للماضي عندما كان يتم تقديم المساعدات في مؤتمرات باريس 1و2 و3 وغيرها، من دون شروط، اليوم، خاصة في موضوع “سيدر” ستكون هناك متابعة ومساءلة ونوع من “الاختبار” في البداية. فإذا نجح الاختبار وأظهر المسؤولون حسن نية وتعاطيا جديا ومسؤولا مع المشاريع التي سيتم تمويلها وأجروا الاصلاحات المطلوبة ستفتح أبواب المساعدات أكثر فأكثر، وعلى رأس جدول الاولويات الطاقة والكهرباء”، لافتاً الى ان على لبنان اعتماد الحوكمة الرشيدة ومن المهام الاساسية لهذه الحكومة التفاوض للوصول الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي والمؤسسات الدولية. فأهمية صندوق النقد تكمن في انه مثابة “فيزا”، يفتح باب الثقة لكل الأطراف الدولية سواء كانت دولا او قطاعا خاصا، للاستثمار في لبنان، واعادة ربط ما انقطع مع المجتمع الدولي”.
واعتبر “ان الكرة في ملعب لبنان بقدر ما هي في ملاعب الآخرين، فالخارج لا يهمه من يجلس على كرسي الوزارة ولأي طرف سياسي ينتمي، بقدر ما يهتم بأن يكون عمله جديا وشفافا ومنتظما. حسن اداء الحكومة سيجلب المزيد من الدعم. وقد لمست في الاوساط الدولية نية لدعم لبنان، لكن فترات السماح والتساهل وزمن المماطلة والمراوغة انتهى، لأن البلد لم يعد يحتمل، وحان وقت العمل الجدي وفق المعايير المعتمدة في هذه المؤسسات والدول التي تساعدنا”.
وختم الخازن: “حتى في الفاتيكان اليوم، يقوم البابا فرنسيس بحملة واسعة بهدف الاصلاح. ومن مصلحتنا في لبنان أيضاً ان نتمثل بالدول المتحضرة فنوقف الهدر والفساد وكل ما هو سيئ، من اجلنا وليس من اجل غيرنا”.