كتب منير الربيع في “المدن”:
وانفتح البازار اللبناني على مصراعيه، من غير انفصال عن البازارات الإقليمية والدولية المفتوحة. وتزامن تشكيل حكومة نجيب ميقاتي مع تطورات بارزة، أدت إلى إعادة إحياء ملف التفاوض على ترسيم الحدود، والانفتاح على سوريا، واتفاقات الغاز المصري والكهرباء الأردنية.
وهذا في العلن. أما في السرّ، فإلى جانب ما يرتبط بملف ترسيم الحدود البحرية، هناك مسار آخر يجري العمل عليه دولياً، ويرتبط بترسيم الحدود البرية.
مزارع شبعا مجدداً
سابقاً كان لبنان يرفض فصل الترسيم البحري عن البري. في البرّ غالبية النقاط متفق عليها، باستثناء عدد قليل وصولاً إلى مزارع شبعا. وفي حرب تموز 2006 برزت فكرة تسليم مزارع شبعا للأمم المتحدة، في ظل الصراع على ملكيتها وعدم إثبات لبنانيتها في الوثائق. لكن حزب الله رفض وكذلك سوريا وإسرائيل. وتشهد المرحلة الحالية إعادة بحث متجدد حول مصير مزارع شبعا.
وكان المسار قد انطلق خلال زيارة رئيس المخابرات المركزية الأميركية وليم بيرنز إلى لبنان. وهو شدد على ضرورة الحفاظ على الاستقرار بين لبنان وإسرائيل، وعدم ترك فرصة أو ظرف للتوتير، ولو كان ثمن تجنب التصعيد والحرب إيجاد تسوية حول مزارع شبعا وانسحاب إسرائيل منها، أو من بعض أجزائها.
ولا شك في أن مثل هذا الأمر هو مشروع كبير، يحتاج إلى وقت طويل وإنضاج ظروف تسوية إقليمية كبيرة. فأي حلّ من هذا النوع يعني طي حقبة الصراع المفتوح مع إسرئيل. وهذا أمر لا يمكن لحزب الله أن يرضى به.
زحمة تفاوض وزيارات
وتدور اليوم مفاوضات أميركية-روسية-إسرائيلية حول إيجاد مخرج لمعضلة مزارع شبعا. مخرج يضمن الاستقرار على حدود لبنان الجنوبية والسورية معاً. وفي هذا السياق ليس بسيطاً تمرير اتفاق الغاز المصري والكهرباء الأردنية. وهو ليس تفصيلاً في هذه المرحلة. والوصول إلى بلورته وتطبيقه يعني وجود هوامش واسعة له.
الاجتماعات السورية-الأردنية مؤشر. والاجتماعات اللبنانية-السورية بموافقة أميركية مؤشر أيضاً. ولا يمكن إغفال زيارة بشار الأسد إلى موسكو بعد ساعات من زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد. كما لا يمكن فصل الاجتماعات السورية–المصرية-الأردنية عن زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت إلى مصر، ولقائه الرئيس عبد الفتاح السيسي.
والقناعة الراسخة لدى الجميع، أن المدخل إلى الحلول والتسويات في المنطقة يمرّ في الاتفاقات على خطوط النفط والغاز، وترسيم الحدود بين الدول على البحر المتوسط. وكما حال إسرائيل في الجنوبين اللبناني والسوري. ولتركيا دور أساسي في شمال سوريا وفي البحر الأبيض المتوسط.
فرنسا وأميركا ولبنان
وفي لبنان تتكثف الاجتماعات الرسمية للبحث في كيفية التعاطي مع ترسيم الحدود. ومعروف أن الجيش اللبناني هو الجهة المفاوضة. وفي هذا السياق تأتي زيارة قائد الجيش إلى تركيا والولايات المتحدة الأميركية. وإذا كان البحث الأساسي سيتناول كيفية حصول الجيش اللبناني على مساعدات عسكرية ولوجستية، فمسائل الترسيم البحري ستكون حاضرة في هذه الاجتماعات.
وفيما يريد لبنان حماية حقوقه ومصالحه وثرواته في البحر، ويبحث عن آلية لإعادة إحياء المفاوضات، تأتي زيارة الرئيس نجيب ميقاتي إلى فرنسا لتثير هذا الملف أيضاً. فشركة توتال الفرنسية دورها أساسي في عمليات التنقيب عن النفط. وفي هذا المجال يبرز رهان على دور فرنسي فاعل بموافقة أميركية، بعد المشكلة الأميركية-الفرنسية التي حصلت حول الغواصات الأسترالية، ليأتي الدور الفرنسي في لبنان نوعاً من جوائز الترضية لباريس.
تقسيم المزارع بالتراضي
وتبحث القوى الإقليمية والدولية عن فرص لتعزيز حضورها والاحتفاظ بنفوذها أو تحقيق مكاسب. وفي هذا السياق يستمر البحث عن تفاوض حول مزارع شبعا، تزامناً مع إعادة إحياء التفاوض البحري. وهنا تدخل عناصر متعددة: العنصر السوري، العنصر اللبناني، والعنصر الإسرائيلي. ومن خلفهم عناصر أخرى: أميركية، روسية، فرنسية وإيرانية.
وتقول معلومات إن هناك تفاوضاً على إيجاد صيغة تسووية لمزارع شبعا البالغة مساحتها 200 كلم مربع. ويدور التفاوض حول انسحاب إسرائيل من مساحة 50 كلم مربع لصالح لبنان، و50 كلم مربع لصالح سوريا، في مقابل 50 كلم لصالحها. أما المساحة الباقية فتوضع تحت رعاية الأمم المتحدة وسيطرتها. لكن المسار طويل، ولا يعني بالضرورة الوصول إلى تسوية. وهو مسار يرتبط بملفات أوسع. والتفاوض شروطه متنوعة تتعلق بما يمكن للنظام السوري أن يبيعه ليحافظ على نفسه وبقائه في موقعه واستعادة بعض العلاقات الدولية.
أما إيران فأكفأ من خاض غمار مثل هذه المفاوضات. ولا يزال من المبكر الحديث عن حلّ نهائي لتلك المسألة. فالوصول إلى حل يعني تغييراً كبيراً في مواقع النفوذ وفي الوقائع السياسية.