كتبت ميسم رزق في الأخبار:
بعدَ خطابه من دار الفتوى، انتقل النائب نهاد المشنوق الى مواجهة المحقق العدلي القاضي طارق البيطار بالقانون. تقدّم بطلب ردّ القاضي عن الملف، ما يعني «توقيف التحقيق فور تبلّغ البيطار بالطلب»، ومثله فعل النائبان علي حسن خليل وغازي زعيتر. فهل يُنحّى المحقق العدلي؟
افتتح وزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس باكورة الدعاوى ضدّ المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، وكرّت السبحة. دُشنت معركة تنحية القاضي عن الملف بـ«ارتياب مشروع» أمام الغرفة السادسة من محكمة التمييز برئاسة القاضية رندى كفوري، واستُتبِعت بـ«طلب ردّ» تقدّم به، أمس، النائب نهاد المشنوق أمام الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف في بيروت، بينما تقدّم النائبان علي حسن خليل وغازي زعيتر بطلب مماثل. طلبات الرد أحالها الرئيس الأول لمحاكم استئناف بيروت القاضي حبيب رزق الله على الغرفة 12 التي يرأسها القاضي نسيب إيليا، في انتظار خطوة رئيس الحكومة السابق حسان دياب الذي يرجح أن يتقدّم بدعوى عدم صلاحية في ملاقاة جلسة استجوابه (4 تشرين الأول)، والتي تم إبلاغه بها لصقاً.
تعدّدت التوقعات حيال نتائج هذه الخطوة، لكن الخلاصة تُختصر بالآتي: التطورات الجديدة أشبه بلعبة سباق الوقت. فما بينَ تجميد عمل القاضي لفترة محدّدة وبين تعذّر التبليغ بالدعاوى المقامة ضد المدعى عليهم، وما بينَ أخذ وردّ بشأن صلاحية الجهة المخولة بمحاكمتهم، يكون مجلس النواب قد دخل العقد العادي في أول ثلاثاء بعد 15 تشرين الأول، أي أن النواب المُدعى عليهم يكونون قد استعادوا حصاناتهم بعد ذلك. صحيح أن المُحقق العدلي، طوال الفترة السابقة، لم يأبَه بهذه الحصانات، مُصدراً قرارات وإجراءات تؤشّر الى قفزه فوقها، ومعتمداً آليات مختلفة عن تلكَ التي ينصّ عليها الدستور، إلا أن التفسير المحتمل لأهمية استعادة الحصانات هو الانطباع بأن العودة إلى الحصون الدستورية، إلى جانب الدينية والسياسية، أكثر أمناً.
أمس، حصلَ تطوران أساسيان من شأنهما خلط جميع الأوراق في ملف التحقيقات: الأول، تقدّم الوزراء السابقين المدعى عليهم بطلبات ردّ القاضي البيطار عن ملف التحقيقات. وقد علمت «الأخبار» أن الكتاب الذي تقدّم به الوكيل القانوني للمشنوق المحامي نعوم فرح مؤلف من 28 صفحة يطلب فيه إبلاغ البيطار التوقف عن متابعة التحقيقات لحين البت بالدعوى وإبداء ملاحظاته، وإبلاغ الخصوم بالطلب، وتعيين قاضٍ آخر لمتابعة التحقيقات.
وفي اتصال مع «الأخبار» قال فرح إن طلب الرد استنَد إلى نقاط عديدة، أهمها أن «القاضي البيطار خالفَ الدستور الذي ينصّ على أن ملاحقة الوزراء من صلاحية المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وهو أمر لا يحتاج إلى تبيان». وعطفاً على ذلك، تطرّق فرح إلى «اعتماد البيطار معيارين متناقضين. فهو أحال القضاة المدعى عليهم أمام المرجعية القضائية المعنية بحسب القانون، على عكس ما فعله مع الوزراء». كما أن «البيطار أعطى تصاريح في العلن وفي جلسات مغلقة تؤكّد أن لديه آراء مسبقة بشأن القضية، علماً بأنه كقاضٍ ملزم بالتحفظ عن هذه الآراء». كل هذه الأسباب، وغيرها، خلقت عند موكّل المحامي فرح كما يقول «شكّاً من أداء القاضي»، مع الإشارة إلى أنه «ادعى عليه قبلَ أن يستمِع إلى إفادته».
وعلمت «الأخبار» أن الدعوى التي سيتقدّم بها دياب، تأخرت «لأسباب تقنية تتعلّق بالوكالة القضائية كونه موجوداً خارج البلاد، لكنه باشرَ بها».
ومن المنتظر أن يتبلّغ البيطار الاثنين دعوى المشنوق من محكمة الاستئناف، والتي ستعطيه مهلة لإبداء ملاحظاته عليها، قبل أن تصدر قرارها بقبول طلب الرد أو ردّه. تبقى الإشارة إلى أن طلب الرد يختلف عن الارتياب المشروع، لكون دعوى الارتياب لا توقف عمل المحقّق العدلي، إذ منذ لحظة تقديم البيطار رده الى محكمة التمييز في دعوى الارتياب، يستطيع متابعة تحقيقاته الى حين إصدار محكمة التمييز قرارها. إلا أن طلب الرد من شأنه توقيف التحقيق فوراً، لأن على القاضي البيطار تجميد عمله منذ لحظة تبلّغه.
التطوّر الثاني الذي حصلَ، هو في إبلاغ وزير الداخلية القاضي بسام مولوي، كلاً من الأمانة العامة لمجلس الوزراء والأمانة العامة لمجلس النواب والنيابة العامة التمييزية قراره بعدم تبليغ دياب والمشنوق وفنيانوس وخليل وزعيتر بالاستدعاءات بواسطة قوى الأمن الداخلي، بناءً على طلب المديرية، باعتبار أن التبليغات يجب أن تتمّ من القضاء مباشرة، وهو هدف سدّده المولوي في شِباك البيطار لمصلحة المدعى عليهم.
بالقانون، استندَ الوزير المولوي إلى «المادة 210 من قانون تنظيم قوى الأمن الداخلي التي تسمح له بتقدير إمكانية تكليف قوى الأمن الداخلي بإجراء التبليغات استثنائياً، علماً بأن مهمة التبليغ تعود أصلاً الى المباشرين التابعين لوزارة العدل، ولا سيما أن موضوع التبليغ لصقاً تقني ولا يتطلب تدخلاً من القوى الأمنية».
لكن هل القصة قانونية وحسب؟ المؤكّد أن التدخلات السياسية لدى مولوي فعلت فعلها، فكيف سينعكس قرار وزير الداخلية على سير الأمور؟
بما أن المولوي قرر «تحييد» القوى الأمنية عن إجراء التبليغ، وبما أن النيابة العامة التمييزية سبقَ أن سمعت جواباً من مجلسَي الوزراء والنواب بأن «ليسَ من صلاحية المحقق العدلي الادعاء على الوزراء وملاحقتهم»، يبقى الخيار الوحيد المتاح لحلّ معضلة التبليغات هو اللجوء الى المباشر القضائي، إذ وجِد من «يفعلها»! فكيف سيتعامل المحقق العدلي في حال تعذر التبليغ وعدم حضور المدعى عليهم الجلسات التي حددها لهم، في حال كانَ لا يزال يتولّى الملف؟