جاء في نداء الوطن:
في سياق حلقات مترابطة سياسيًا وحزبيًا وطائفيًا، يستمر مسلسل تطويق المحقق العدلي القاضي طارق البيطار لـ”قبعه” من مركزه ووقف تحقيقاته في جريمة انفجار مرفأ بيروت، فأطبقت السلطة قبضتها على القضاء العدلي وتوالت الدعاوى طلباً لتنحيته وآخرها من النائب نهاد المشنوق الذي تقدم وكيله بدعوى “رد” ضده… في حين لفت استكمال المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان هجوم “حزب الله” على البيطار فشبّهه بـ”ديتليف ميليس جديد”، بينما كانت للبطريرك الماروني بشارة الراعي مناشدة صريحة من قصر بعبدا طالب فيها بـ”فصل الدين عن الدولة وألا تتعاطى الطوائف بشأن العدالة”.
واستكمالاً لعرقلة مسار التحقيق العدلي والمماطلة في ملف استجواب المدعى عليهم في قضية المرفأ، برزت أمس المعلومات التي أشارت إلى حجب وزير الداخلية القاضي بسام مولوي “التبليغات الأمنية” التي سطرها البيطار، متبنياً بهذا الخصوص وجهة نظر المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي والتي تقول إنّ هذه التبليغات “ليست من اختصاصها بل هي من اختصاص المباشرين القضائيين”. وهو ما استدعى توضيحاً من مولوي رأى فيه لـ”نداء الوطن” أنه ليس المطلوب استخدام القوة في تبليغات المحقق العدلي، مستنداً إلى “قانون تنظيم قوى الأمن الداخلي الذي ينص على أنّ التبليغ الذي لا يتطلب تدخلا عسكرياً تقوم به قوى الأمن استثنائياً، والمطلوب هو الصاق ورقة على باب من يراد تبليغهم الدعوة وتسليم ورقة للمختار، وبحسب قوى الامن الأمر لا يتطلب تدخلها ولا تدخلاً عسكرياً”.
وأردف وزير الداخلية في معرض تبرير قراره قائلاً: “أرسلت مديرية قوى الأمن لي كتاباً يفيد بأنّ المادة 210 من القانون تقول إنه استثنائياً تستطيع القيام بذلك (التبليغات) إذا وجدت ظروفاً تبرر هذا الأمر، واقترحت أن تقوم المحكمة بالمهمة، فأجبتهم: إذا شاءت المحكمة أن تفعل فلتفعل، أي إذا أراد الرئيس البيطار ذلك فليفعل عبر موظفيه، فيكون بذلك قد اطمأن إلى أنّ الأمر تحقق وذلك أفضل من أن توكل المسألة إلى القوى الأمنية، إضافة إلى أنّه لا توجد ظروف استثنائية تستدعي استعمال القوة”.
على الجبهة المقابلة، وبينما تضامنت مجموعة من القضاة أمس مع المحقق العدلي في مواجهة التهديدات التي استهدفته، نظّم أهالي ضحايا مرفأ بيروت تزامناً وقفة احتجاجية أمام قصر العدل في بيروت تحت عنوان “طارق البيطار الحقّ يحميه والشعب يفديه”، أعربوا فيها عن تنديدهم بالرسالة التهديدية التي أوصلها “حزب الله” إلى المحقق العدلي، فرفعوا لافتات تطالب القاضي البيطار “بعدم التراجع أو الخوف من التهديدات والتهويلات التي تُطلق من بعض الجهات الخائفة من كشف الحقيقة أو المحاسبة”.
أما في المشهد الحكومي، فاتجهت الأنظار أمس إلى باريس حيث استقطب “غداء العمل” بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي اهتمام المراقبين. وإثر الاجتماع الذي لم يخرج سوى بمزيد من التوكيد على أهمية التزام الطبقة السياسية في لبنان بالتزاماتها وبالتعهدات التي كانت قد قطعتها إزاء الإصلاحات المطلوبة، حرص ماكرون خلال مؤتمر صحافي مشترك عقده مع ميقاتي في باحة قصر الإليزيه على إلزام الأخير بالعمل مع حكومته على “أجندة محددة”، مقابل الحصول على دعم فرنسا والمجتمع الدولي، مختصراً الموقف بالمعادلة التالية: “لا إصلاحات لا مساعدات”.
أما ميقاتي فاكتفى بالثناء على أهمية الدعم الفرنسي الثابت للبنان، وعلى تصميم ماكرون المستمر على الوقوف إلى جانب الشعب اللبناني لإخراجه من أزمته، غامزاً في الوقت عينه من قناة “الأهمية الخاصة” التي تتمتع بها باريس في سبيل حشد الدعم لحكومة ميقاتي “من أشقائنا العرب وأصدقائنا في العالم”، مبدياً في المقابل عزمه على “تنفيذ الإصلاحات الضرورية والأساسية في اسرع وقت واتخاذ إجراءات حاسمة في إنعاش الاقتصاد، ومتابعة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي”، ليختم بمحاولة دغدغة المشاعر الفرنسية باستذكار قول الجنرال ديغول ذات يوم: “طالما أنني في موقع المسؤولية، فلن أسمح بإلحاق أي أذى بلبنان”.