كتب د. أنطوان الشرتوني في “الجمهورية”:
بعد فترة لا تقل عن السنة ونصف، فتحت المدارس أبوابها مُودّعة «أيام كورونا» المشؤومة، ومستقبلة التلامذة بكل ترحاب. ولكن خلال تواجد التلامذة في منازلهم في تلك الفترة الصعبة، نَمت الكثير من السلوكيات غير المستحبّة عندهم، خصوصاً تلك التي تَتّسِم بالعدوانية.
لذا، لم تمر عدة أيام على رجوع التلامذة إلى الصفوف حتى بدأ مسؤولون يلاحظون وجود هذا التصرف غير العقلاني عند الكثير منهم، ذكوراً وإناثاً، ومن جميع الفئات العمرية. فبدأ يدق نقوس الخطر في العديد من المدارس التي يجب أن تعالج هذا الموضوع الخطير، والذي يتفشى أسرع من «كورونا». فكيف يمكن التفسير للتلميذ عن هذا الموضوع؟ وكيفية العلاج بالطرق الأسرع والأنفع؟
عندما نتحدث عن العدوانية في المدرسة، يمكن أن نختصرها بالتالي: سلوك كالإهانة أو الشتم أو كالضرب والعراك، يؤدي إلى إلحاق الأذى بالتلامذة أو بالأساتذة أو اي شخص موجود في المدرسة. ولكن لا يمكننا أن نختصر العدوانية فقط بهذه المواقف، بل نجد عند بعض التلامذة أسلوبا تخريبيا أو عدوانيا نحو الممتلكات المدرسية أو ممتلكات خاصة بالتلامذة. والتلميذ العدواني يكون عادة مُعتدى عليه، أي انه يعيش بشكل مباشر أو غير مباشر العدوانية على مختلف أشكالها: الجسدية، اللفظية، المعنوية… وعادةً، تكون أسبابها الأزمات والمشاكل (العائلية – النفسية – الإجتماعية) التي يمكن أن يعانيها التلميذ. وبعد رجوع التلامذة إلى صفوفهم، بدأ الأساتذة يشتكون من التصرفات العدوانية غير المقبولة من المتعلّمين الصغار.
السلوك العدواني… كم هو كذلك!
قبل الغوص في رحلة اكتشاف أسباب العدوانية، من المهم التأكيد أن العدوانية لها أشكالها المتعددة، وهي موجودة في جميع المجتمعات كما عند كل الأعمار. ولا يمكن ربطها بالحالة الإقتصادية للشخص أو لعرقه أو دينه أو المجتمع الذي ينتمي إليه. وبما أنّ المدرسة هي جزء لا يتجزأ من المجتمع، درسَ التربويّون وعلم النفس هذه الظاهرة التي تفشّت بشكل جنوني بين التلامذة، بعد سجنهم الإجباري بسبب كورونا التي أجبَرت الجميع، صغاراً وكباراً، ملازمة المنازل. ويمكن تصنيف أنواع العدوانية في المدارس إلى 5: عدوان لفظي (الإهانة والشتم)، عدوان جسمي (الضرب والعراك)، عدوان على شكل نوبات غضب، عدوان سلبي (العناد، المماطلة، التدخل المتعمّد)، وعدوان غير مباشر (الاعتداء عن طريق شخص أخر).
وهناك أسباب كثيرة للعدوانية عند التلميذ، ويمكن تقسيمها إلى النقاط التالية:
– أسباب نفسية: منها عدم قبول الذات، رفض الأساتذة للتلميذ أو عدم متابعة الاهل لابنهم في المدرسة يمكن أن تساعد التلميذ أن يتحوّل إلى شخص مؤذٍ وعدواني في الوقت نفسه.
– أسباب إجتماعية، منها مشاكل عائلية، سلطة ضاغطة، طلاق الوالدين أو سوء معاملة أحد أفراد العائلة للتلميذ تجعله يتأخر مدرسياً ويصبح عدوانياً تجاه رفاقه.
– أسباب إنفعالية، كالشعور بالنقص، وكراهية السلطة والغيرة وغيرها من المشاعرالتي تجعل التلميذ محباً للانتقام من خلال التخريب والعدوانية تجاه التلامذة الآخرين.
مدرسة – أهل – تلميذ ضد العدوانية
من أهم الخطوات التي تساعد في تقليص العدوانية بين التلامذة في المدرسة، التوعية عن العدوانية من خلال ندوات تمتد خلال فصول السنة الدراسية لإدارة المدرسة والهيئة التدريسية والمسؤولين والمربين والأهالي أيضاً. لذا، يجب أن تقوم الأخصائية النفسية في المدرسة والعامل الإجتماعي في المؤسسات التربوية بندوات تَوعَوية تساعد التلميذ أن يفهم ما هي حدوده تجاه الآخرين. كما يجب أن توضح وبشكل كامل هدف هذه الندوات: وهي التوعية حول موضوع التربية المنزلية والجو العائلي الذي يؤدي دوراً بارزاً في تعزيز العدوانية أو إلغائها. ودور العامل الإجتماعي والأخصائي النفسي المدرسي هو معرفة «ما وراء» سلوك التلميذ العدواني وكيفية التعامل مع هذا الوضع، ليس بالقساوة بل بالتفهم والإصغاء.
ولا تقتصر الندوات فقط للتلامذة في المدرسة ولكن يجب أن يتابعها الاهل أيضاً، فيجب تفسير كل خصائص النمو لكل مرحلة عمرية عند ابنهم، وبالتالي يُفهم أكثر متطلبات وحاجات وسلوكيات كل مرحلة بمرحلتها.
ولا يمكن إنكار المسؤولة الكبيرة التي تقع على عاتق إدارة المدرسة في تربية التلامذة وتوجيههم حول المواضيع الإجتماعية، ومنها العدوانية. وطبعاً اعتماد القدوة الحسنة تجاه التلامذة، ويعني ذلك الإبتعاد عن النصائح الكثيرة واستبدالها بالأفعال لكي يتعلم التلميذ أنه من خلال «الفِعل الحسن» يمكنه أن يغيّر تصرفاته غير المقبولة. والمربي الصالح هو الذي يكون قريباً من الأطفال من خلال كلمات مشجعة وعاطفية (وبعيداً عن التصرفات الإصطناعية) والإبتعاد عن الكلمات المحبطة والنقد واللوم المفرط. كما من الصفات الحسنة للمربي احترام جميع التلامذة من دون تمييز أو تفريق، وطبعاً الإبتعاد عن المقارنة فيما بينهم.
أما الأخصائي النفسي فيؤدي دوراً بارزاً في مساعدة الأساتذة للتعرّف الى الحاجات النفسية والاجتماعية لكل مرحلة عمرية، وكيفية إشباعها بالأساليب والبرامج التربوية المناسبة، منها الموسيقى والرياضة، اللتين تخففان كثيراً من الإحتقان النفسي الذي يشعر به التلميذ. وطبعاً إنّ ساعات الرياضة يجب أن تكون مكثّفة لأنها ذات أهمية، ليس فقط على الصعيد الصحي للتلميذ ولكن أيضاً على الصعيد النفسي.
كما يمكن تنفيذ جلسات مصارحة بين التلامذة والطلاب، وتنظيم حفلات بسيطة تساعد على تقوية الرابط ما بين الإدارة – الأساتذة – التلامذة.