جاء في “المركزية”:
بعد أيام على منح حكومته الثقة وقبل أن تجتمع رسمياً للمرة الأولى لمناقشة جدول اعمال، حط رئيس الوزراء نجيب ميقاتي في باريس للقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أول زيارة خارجية رسمية بعد تعيينه في منصبه. وفي حين يرى البعض أن العديد من الرسائل قد توجه من خلال الزيارة، يتم التداول في احتمال وجود سعيٍ فرنسي لإنشاء ترويكا عربية مؤلفة من لبنان والعراق والإمارات، مع إمكانية أن تنضم إليها مصر لاحقاً، لتعزز فرنسا حضورها في المنطقة انطلاقا من الساحة اللبنانية عبر المساهمة في معالجة ألازمات بالتعاون مع روسيا التي تتولى منفردة معالجة ملف الأزمة السورية. فما مدى دقة هذه المعطيات والتحليلات.
مدير “المنتدى الإقليمي للاستشارات والدراسات” العميد الركن خالد حماده اعبتر عبر “المركزية” أن “دعوة الرئيس ميقاتي من قبل الرئيس ماكرون، وهذا الاهتمام الشخصي الذي يبديه الأخير يستدل منه أن فرنسا تريد التعبير عن دعمها للحكومة الجديدة ومستعدة لإعطاء كل التسهيلات لنجاح عملها، وربما لإخراج لبنان ولو جزئياً من أزمته. لكن، لا بد من التأكيد أن فرنسا التي لها تجربة مرة مع الحكومات اللبنانية منذ “سيدر” القائم على التزام الحكومة اللبنانية حينها بإصلاحات هيكلية وفي قطاعي الكهرباء والاتصالات وبعض الإصلاحات الإدارية لا سيما الهيئات الناظمة المطلوبة، كذلك من الناحية السياسية مطلوب من لبنان النأي عن المحاور الإقليمية… بالتالي، عناصر فشل هذه التجربة لا تزال متوافرة مع حكومة الميقاتي. إذاً، الرهان على أن هذه الزيارة ستحمل معها متغيرات كبيرة أو أنها ستقلب المقاييس في غير محله، سيما أن هناك تصريحات فرنسية ودولية متعددة والتزامات صندوق النقد الدولي تشير كلها إلى أن لبنان لن يحصل على أي دعم مادي من أي جهة دولية إن لم يبدأ فعلياً بإصلاحات مقنعة، بمعنى التمكن من انتزاع جزء من الثقة من المجتمع الدولي، في حين ان هذا غير متوافر”.
وتابع “الحكومة التي شكلت بإرادة فرنسية وبطلب إيراني كان يقف ربما خلف هذا الاندفاع، كرست معادلة سياسية في لبنان أعتقد أنها ستكون إحدى نقاط الضعف التي ستجعل من الحكومة غير موثوقة دولياً بالدرجة الأولى، وغير قادرة على السير بإصلاحات بنيوية لأن فريق “حزب الله” و”التيار العوني” المنتصر في مجلس الوزراء يمسك بقطاعات عديدة، لا سيما الطاقة والتهريب والتهرب الضريبي. ولا يبدو أن ميقاتي سيكون قادراً على إجراء إصلاحات داخل هذه القطاعات، بالتالي كل رهان على دعم صندوق النقد الدولي في ظل هذه المعطيات يبدو في غير مكانه”.
أما مشروع محاولة فرنسا بناء ترويكا عربية، فلا يراهن حماده عليه، شارحاً أن “الدور الفرنسي في لبنان محدود جداً، وباريس ليست لاعباً أساسياً فيه رغم الدعم الأميركي الذي حظيت به عندما طرحت مبادرتها ولم تتمكن من تسويقها بين الفرقاء السياسيين، مما يظهر وكأن الدعم الأميركي لم يعد موجوداً. في العراق أيضاً فرنسا ليست لاعباً أساسياً. والتقدم الذي حصل فيه عقب توقيع صفقة التنقيب عن الغاز مع الشركات الفرنسية إنما يأتي في سياق محاولة تحرير العراق من التبعية لطهران في مجال الطاقة. وهذا ما لا يتفق تماماً مع الدور الذي أدّته فرنسا في لبنان، حيث ثبّتت دوره وفي العراق تعمل على تحرير الحكومة من التبعية الكهربائية وربما هناك تحظى بغطاء أميركي وأيضاً باندفاعة لحكومة السيد مصطفى الكاظمي الذي يبدو مصمماً على السير بإصلاحات بنيوية على عكس الوضع اللبناني، حيث يشكل الحكم والتحالف الحاكم في البلد جزءاً كبيراً من أسباب فشل لبنان في السير بإصلاحات وإنقاذ المال العام من الفساد”، مستبعداً إمكانية أن تكون الإمارات جزءاً من هذه الترويكا “إذ لا يمكنها الذهاب بعيداً في أي مساعدة للبنان أو الدخول في أي اصطفاف ترعاه فرنسا بما لا يتناسب مع المصالح الخليجية، لا سيما المملكة العربية السعودية التي لا يزال موقفها من الحكم في لبنان سلبياً، بسبب مواقف “حزب الله” ونتيجة ما ذهب إليه الحكم، تحديداً في عهد رئيس الجمهورية ميشال عون، من التهجم الدائم على الخليج وكيل الاتهامات وتهريب المخدرات إليه وتدريب الميليشيات اليمنية التي تهاجم السعودية يومياً. من هنا، لا يبدو أن فكرة قيام تحالف عربي عراقي – إماراتي – لبناني قابلة للعقلانية والتحقيق”.
وبالنسبة إلى إمكانية انضمام مصر إلى هذه الترويكا، فيوضح “أنها لاعب أساسي في الشرق الأوسط وحليف استراتيجي للولايات المتحدة الأميركية وجزء من عملية ربط الغاز المصري بلبنان لحل مشكلة الطاقة فيه. كل هذه المشاريع الأميركية روجت لها الإدارة الأميركية وأعلتنها سفيرة واشنطن في لبنان دوروثي شيا”، مضيفاً “الحكومة لم تأت على ذكر الاستجرار الكهربائي من الأردن ولا على مد لبنان بالغاز من مصر في بيانها الوزاري، مما يؤشر إلى تمسك من قبل الفريق الحاكم في لبنان بالقبض على ملف الطاقة وعدم إجراء أي إصلاحات فيه. لذلك، لا أرى أن زيارة الرئيس ميقاتي إلى فرنسا ستقدم جديداً، بل تنحصر في إطار المجاملة وحثه مع حكومته على محاولة التفاوض مع صندوق النقد الدولي وتقديم مشروع جدي للإصلاحات الهيكلية. لكن، الأمل بنجاح الحكومة في المفاوضات مع صندوق النقد سيكون محدود جداً، كذلك الأمل ضعيف بأن تتمكن فرنسا من القفز فوق شروطه وشروط المجتمع الدولي، فهي لا تستطيع ولا تريد ذلك حتى”.
وفي ما خصّ حلحلة باقي أزمات الشرق الأوسط ووجود تواصل فرنسي-روسي، رأى حماده أن “فرنسا ليست لاعباً أساسياً في سوريا، بل الولايات المتحدة وروسيا ومن خلفهما طهران وتركيا والنظام السوري الحلقة الأضعف. صحيح أن فرنسا جزء من التحالف الدولي الذي يقاتل في سوريا تحت عنوان مكافحة الإرهاب، لكن تحويل هذا التواجد الفرنسي إلى مشروع نفوذ غير واقعي. روسيا شريكة واضحة لأميركا في سوريا وهي من يحاول التقدم بخطوات بطيئة نحو تحقيق بعض النجاحات للنظام في الجنوب السوري، إلا أن الموضوع لا يزال بعيداً من تثبيت دور لأي لاعب دولي في خلاف الدورين الروسي والأميركي”.