كتبت راكيل عتيق في “الجمهورية”:
إفتتح رئيس الحكومة نجيب ميقاتي زياراته الخارجية من البوابة الفرنسية بلقاء الرئيس إيمانويل ماكرون. وهذه الزيارة التي تمّت برغبة الجانبين، تبدو طبيعية، في سياق الاهتمام الفرنسي بلبنان، ومتابعة باريس الحثيثة لمسار التأليف وصولاً الى ولادة الحكومة، بعد مبادرة فرنسية جمعت الأطراف اللبنانية كافةً الى طاولة واحدة في قصر الصنوبر. ويُعوّل على أن تكون فرنسا، وهي بوابة الاتحاد الأوروبي ولها تأثير على الجهات المانحة، فضلاً عن اتفاقها مع واشنطن على الملف اللبناني، داعمةً للبنان على المستويات كافةً، ومنها محاولة دفع إيران الى التسهيل في لبنان، كما سعت معها في الملف الحكومي، إذ إنّ لبنان يحتاج الى الدعم الدولي، المؤازرة العربية والخليجية أيضاً، وبوابة هذا الدعم الأساس السعودية، التي ما زالت منكفئة عن لبنان حتى الآن، ولم تُعطِ أي إشارة حيال حكومة ميقاتي بعد.
من جهة ميقاتي، تعوّل مصادر قريبة منه على فتح الباب السعودي، وتعتبر أنّه من المنطقي بعد المبادرة المصرية – الأردنية – السورية الإيجابية بالنسبة الى لبنان، أن تكون السعودية التي تُعتبر تاريخياً أنّها داعم أساس للبنان، أيضاً داعمة له في المرحلة المقبلة، خصوصاً أنّه يحتاج الى دعم الأشقاء العرب.
وبالمعطيات، توضح هذه المصادر أنّ هناك فترة زمنية ستثبت فيها الحكومة أنّها وسطية ومتوازنة، وستعطي رسائل إيجابية وتوازنات للجميع لمصلحة الجميع، فضلاً عن أنّ المنطقة تشهد انخفاضاً للسقوف العالية وتفاوضاً، يُمكن أن نستفيد منه كلبنانيين، إذ تاريخياً في مراحل عمليات التفاوض العربي ـ العربي، يكون لبنان أكثر أريحيةً. وفي قراءة المصادر نفسها للمشهدية الإقليمية والتقاربات والتواصلات الحاصلة، إنّ لبنان قد يستفيد من هذا التقارب.
أمّا عن الصمت السعودي وعدم اتخاذ أي موقف من حكومة ميقاتي، فتقول المصادر إيّاها: «قد يكون هناك تراكمات، لكنّنا نراكم الإيجابيات ونتجنّب المواضيع الخلافية، مع الأخذ في الاعتبار تركيبة البلد ومواقف الأفرقاء، فهناك اعتبارات نحن محكومون بها». وعن اكتفاء ميقاتي بالتعبير عن حزنه لمشهد دخول الصهاريج المحمّلة بالمازوت الإيراني التي استقدمها «حزب الله» عبر سوريا، وأنّ «هذا الصمت الرسمي» من أسباب إحجام السعودية عن دعم لبنان، تقول مصادر ميقاتي: «المحبون جميعاً يفهمون الواقع اللبناني ويتفهمونه، وعليهم لملمة الشتات اللبناني وليس زيادة الإنقسامات، إذ لدينا مرحلة مفصلية اقتصادياً واستحقاقات من ضمنها الانتخابات، فلندع الاستحقاقات تبلور التموضعات، علماً أنّ لبنان ليس منفصلاً عن المحيط بل متصل به. كذلك من مصلحة الجميع لملمة الشتات اللبناني، إذ إنّ الانفجار لو حصل فيما لم تُؤلّف الحكومة لتشظّى منه الجميع، بما فيه المحيط الذي لن يكون في منأى عن التصدّعات اللبنانية. وبالتالي هناك الآن سلطة مركزية بقرار سياسي واضح، وسلطة قادرة على اتخاذ القرارات وإجراء الإصلاحات والإفادة من مبالغ الدعم بلا هدر وسوء إدارة. كذلك يركّز ميقاتي على الدولة ووجوب أن تأخذ دورها في كلّ الشؤون ومنها المحروقات، إنّما هناك واقع معيشي فرض نفسه، لكن ميقاتي يعتبر أنّ الدولة الأولى دائماً في خدمة مواطنيها».
إنطلاقاً من ذلك، من المنطقي أن تكون خطة إعادة حسن العلاقات مع الدول الخليجية وفي مقدّمها السعودية، على جدول أعمال ميقاتي. وتعتبر المصادر القريبة منه، أنّه «شخصية مطمئنة للجميع، تربطه علاقات أساسية مع كلّ دول الخليج والسعودية، إنّما يجب ترك الأمور تأخذ مجراها لكي تتبلور تدريحياً. فالرجل بوسطيته وقدرته على تدوير الزوايا، نجح في إدارة ملف التأليف وفي إنجاز بيان وزاري متوازن يشمل كلّ النقاط في 3 جلسات، وبالتالي من المُفترض أن ينسحب نجاحه هذا على الملفات الأخرى، مع التعويل على الظهير العربي، وهذا لمصلحة الجميع وليس للبنان فقط».
وفي حين يعتبر أفرقاء أنّ مشكلة السعودية كانت مع الرئيس سعد الحريري شخصياً، إلّا أنّها لم تُعطِ أي إشارة إيجابية تجاه ميقاتي بعد. وتؤكّد مصادر قيادية في تيار «المستقبل»، أنّ «مشكلة السعودية ليست مع اسم رئيس الحكومة بل مع لبنان بالذات بسبب «حزب الله» وتصرفاته وحلفائه وتحالف رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه السياسي معه. لذلك، بصرف النظر عن هوية رئيس الحكومة، إنّ القضية مرتبطة بواقع الدولة اللبنانية وهيمنة «حزب الله» عليها».
كذلك ترى مصادر سيادية معارضة، أنّ هناك وجهتي نظر: وجهة النظر الغربية التي تتكلم بمصطلحات واضحة لجهة أن لا مساعدات إلّا من خلال الإصلاحات، لكن الإصلاحات تعني وضع حدّ لدولة الفساد والأمر الواقع والتسيُّب، أي إقفال المعابر غير الشرعية وضبط المعابر الشرعية والمرافق كلّها في لبنان، وضرورة إصلاح القطاعات التي تُستخدم كموطئ نفوذ مالي لتمويل أحزاب وتيارات محدّدة ولأهداف واضحة المعالم. بينما وجهة النظر الثانية لدول أخرى، وفي مقدّمها السعودية تقول بوضوح، إنّها غير مستعدة لمساعدة دولة تستخدم هذه المساعدات لاستهدافها، وكأنّها تستثمر في إضرار نفسها. وبالتالي، لكي يتلقّى لبنان المساعدات الخارجية عليه أن يكون دولة لا تسمح باستخدام أراضيها ممراً للمخدرات تجاه الدول الأخرى، ولا تقبل أن تكون منصّة لاستهداف هذه الدول، وأن لا تكون ممراً لأهداف أمنية وعسكريتارية. وعندما يكون هناك في لبنان دولة، سيتلقّى المساعدات من كلّ الدول، وفي طليعتها السعودية التي تُعتبر بالأرقام أكثر دولة ساعدت لبنان تاريخياً. من هنا يجب الذهاب الى انتخابات نيابية يُعاد فيها إنتاج سلطة جديدة، وعندما تنتج سلطة سيادية بامتياز تضع الدستور في أولويتها والسيادة هدفها، وأن تكون الدولة هي العنوان والمرتكز، سنرى السعودية في طليعة من يساعد لبنان.