جاء في “المركزية”:
في السر وتحت وابل الازمات الحياتية والمصيرية التي تجتاح لبنان، يتم تمرير واقعة عدم توقيع رئيس الجمهورية ميشال عون تعديل المرسوم 6433 الذي يمنح لبنان حصة في المنطقة البحرية المتنازع عليها مع إسرائيل. وما زاد من علامات الاستفهام أن هذا التطور تزامن وزيارة قام بها وكيل وزارة الخارجية الأميركية ديفيد هيل إلى بيروت التقى خلالها مسؤولين لبنانيين، ليعلن بعدها استعداده لتسهيل المفاوضات حول الحدود المتنازع عليها برعاية الأمم المتحدة.
بحسب الخرائط المودعة من جانب لبنان وإسرائيل المنطقة المتنازع عليها لدى الأمم المتحدة تبلغ مساحتها 860 كلم٢ وهي تعد غنية بالنفط والغاز. وفي حال تم تعديل “المرسوم” من جانب السلطات اللبنانية، تزيد مساحة لبنان في البحر 1430 كلم مربعاً إضافياً، وتصبح بذلك المساحة المتنازع عليها هي 2290 كلم مربعاً.
التعديل وافق عليه الوزراء المعنيون في حكومة تصريف الأعمال، إلا أنه لم ينل توقيع رئيس الجمهورية. وتم وضع المرسوم في الأدراج بدل ان يرسله الى الأمم المتحدة كمستند لبناني لتعطيل خطوات اسرائيل في المناطق المتنازع عليها. واشارت مصادر سياسية معارضة انذاك الى ان الرئيس عون حاول المقايضة بالمرسوم بين عدم التوقيع ورفع العقوبات عن النائب جبران باسيل ما افقد لبنان موقفا وموقعا متقدما.
خطوة رئاسة الجمهورية، وصفها رئيس حزب حركة التغيير المحامي ايلي محفوض “بالممكنة انطلاقا من التجارب السابقة للرئيس عون. لكن من السذاجة مقاربة مسألة عدم التوقيع على المرسوم بهدف المقايضة لرفع العقوبات الاميركية عن باسيل، إذ ليس بهذه الخفة يمكن ابتزاز الاميركيين، ويدرك عون ذلك. لكن الاكيد ان ثمة شيء في المقابل والامر يتعلق باستراتيجيات القرارات الحاسمة التي يتخذها حزب الله “.
وفي هذا الاطار يطرح محفوض الاسئلة التالية :” هل يريد الحزب الإبقاء على المرسوم في الأدراج؟ هل سيكون الحزب المفاوض الرئيسي لاحقا في كل ملف يتعلق بترسيم الحدود؟ والاهم من كل ذلك هل يمكن للرئيس عون إخفاء هذا الملف من دون علم وموافقة ورضى حزب الله”؟
يعلم القاصي والداني ان قرار ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل يشكل اساسا في القرارات الاستراتيجية الكبرى التي يعتبرها الحزب من حقه، وهو حتما حق غير طبيعي، لكن هل ستوافق الولايات المتحدة ومعها إسرائيل على التفاوض غير المباشر او المباشر ربما مع حزب الله؟ يقول محفوض ” الولايات المتحدة واسرائيل ابعد ما يكونا عن الكلام بالعاطفة التي نتكلم بها. وكلنا يعلم كيف فاوضت أميركا ميليشيا طالبان في أفغانستان. فماذا يمنع من تكرار التجربة مع لبنان.؟ أضف إلى ذلك أن الاميركيين يشتغلون بالوقائع وليس بالعاطفة. حتى الاسرائيلي سيجد نفسه مرغما على التفاوض مع الحزب لان الاخير هو من يمسك بقرار الحرب والسلم في لبنان، واسرائيل كما الولايات المتحدة ترفضان التفاوض مع دولة لبنان الممسوكة غير الماسكة والمحكومة غير الحاكمة. نحن اليوم في جمهورية حزب الله. الى هذا الحد باتت الامور واضحة لدى المجتمع الدولي والمعارضة في الداخل التي بدأت تتوسع كوكبتها في وجه الطغيان الإيراني “.
توقيع تعديل المرسوم يمنع إسرائيل من استحضار شركات التنقيب عن الغاز في هذه المنطقة الحدودية، على اعتبار أنه متنازع عليها. ويأمل لبنان مستقبلاً من خلال ثروته النفطية في جذب استثمارات أجنبية، إذ يعاني، منذ نحو سنتين، أسوأ أزمة اقتصادية منذ العام 1914. لكن الابرز في هذا السياق بحسب المؤرخ والباحث في قضايا ترسيم الحدود عصام خليفة ” هو من أين سينطلق خط ترسيم الحدود البحرية من البرّ” ، موضحاً أن الخط الحدودي البحري يجب أن ينطلق من رأس الناقورة، أي من الحدود المرسومة دولياً، ووفق اتفاقية الهدنة الموقعة بين لبنان وإسرائيل عام 1949. إلا أن ذلك لا يتحقق إلا من خلال التعديل المنتظر توقيعه بواسطة المرسوم 6433، مشيرا إلى أن عدم تعديله يتيح لإسرائيل الحصول على كامل حقل “كاريش” الذي يضم كميات كبيرة من الغاز، إضافة إلى جزء من حقل “قانا” المحتمل الواقع في مياهنا الإقليمية”.
يحصل كل ذلك وسط صمت وتجاهل من قبل “حزب الله على رغم امتلاكه ترسانة من الأسلحة والصواريخ لطالما شكلت قوة ردع ضد إسرائيل.
فاين حزب الله مما يجري في ملف ترسيم الحدود البحرية؟ يقول محفوض” لم يعد خافيا ان حزب الله هو فصيل ايراني، وصمته لا يفسر الا بالرضى والقبول كون هذا الملف يدخل في اطار استراتيجياته الكبرى. حتى ان عملية اخفاء ملف الترسيم حصلت بقرار منه كونه يشكل ورقة ضغط كبيرة. وعندما يشعر الحزب انه بحاجة لاعادة وضعه على الطاولة يتم سحبه من الأدراج ليفاوض على اساسه وفق حساباته الاستراتيجية”. ويختم محفوض” رئيس الجمهورية ليس صاحب القرار في هذا الملف او سواه، وقد تكشف الايام المقبلة عن الورقة التي سيفاوض عليها الحزب مقابل اخفاء ملف تعديل المرسوم 6433 المتعلق بنقل الحدود البحرية من النقطة23 الى 29 في الأدراج. ومن يدري قد يكون الملف في ادراج الضاحية وليس بعبدا”.