جاء في المركزية:
لم يعد سرًا أن ما جرى اخيرا في لبنان لجهة تشكيل حكومة بعد مخاض عسير لا يعود فضله إلى “شطارة” المسؤولين وتوافق الممسكين بملف تقاسم الحقائب، إنما هو نتيجة تسوية سياسية حصلت في لحظة دولية مناسبة بعدما نجحت فرنسا في اقناع اميركا بحل الازمة وتشكيل حكومة خشية وقوع لبنان في الفوضى وانهياره، والأهم من ذلك الإتصال الذي حصل بين الرئيسين الفرنسي ايمانويل ماكرون، والإيراني ابراهيم رئيسي، معطوفٌا عليه ضغط اميركي واوروبي وتحديدا فرنسي لتشكيل حكومة. وعليه صدر البلاغ رقم واحد من حزب الله بإعطاء الضوء الأخضر إلى المعنيين بوجوب ولادة حكومة برئاسة نجيب ميقاتي.
هذا الواقع رسم مشهدية مريبة لدى بعض الأوساط السياسية بحيث أبدت خشيتها من أن ينسحب غياب المكون المسيحي السياسي عن التسوية- وان شارك فيها الرئيس ميشال عون الذي فعل ذلك من موقعه من دون ان يتمكن من اعطاء المكون المسيحي موقعه في التسوية- على الانتخابات النيابية عبر تحالفات بين هذه القوى. فهل نكون أمام مشهدية ما بعد انتخابات ال2005 وال2009؟
الدكتور توفيق الهندي لفت إلى ضرورة التمييز بين المكون المسيحي الذي غاب بشكل طبيعي عن مسألة تشكيل الحكومة ومن هو حاضر في قلب الساحة السياسية لكنه فضل التغيب لأسباب معينة.
وقال لـ”المركزية: “النواب المستقيلون من المجلس النيابي بعد جريمة تفجير 4 آب غابوا بشكل طبيعي لأنهم رفضوا الدخول في هذه “المعمعة” ولأنهم أدركوا أن هذه الحكومة ستكون مفصّلة على قياس الجمهورية الإيرانية وحزب الله الحاكم بأمره اليوم. وثمة أطراف أخرى سيادية لم يطرح إسمها لأنه من البدهي أن لا يكونوا حاضرين في حكومة تمسك بقرارها الجمهورية الإيرانية الإسلامية. لكن ثمة طرفا مسيحيا وأعني به حزب القوات اللبنانية الذي يطرح منذ مدة أنه ضد إمساك حزب الله بالدولة ويركز في خطابه على مسألة الإنتخابات النيابية المبكرة التي لم تعد مجدية مع اقتراب موعد الإستحقاق الدستوري، أو لجهة إنتاج سلطة جديدة، لأنها ستجري وفق القانون القديم الذي أعطى الأغلبية لحزب الله، ولأن الكلام عن تغيير المعادلة القائمة من خلال الإنتخابات النيابية داخل الدولة عبثي لأنه لا توجد في لبنان دولة إنما سلطة والفرق شاسع بين المفهومين. وأي حوار سيفتحه الرئيس الذي ستنتجه الإنتخابات مع حزب الله وسلاحه بصفته طرفا لبنانيا يعني أننا لا زلنا خاضعين لسلطة سلاح الحزب الحاكم . إذا المشكلة وطنية وليست مسيحية”.
وبقناعة راسخة، اعتبر الهندي أن لا مجال لخلاص لبنان من الإحتلال الإيراني والطبقة السياسية المارقة بكل مكوناتها من خلال المسارات الدستورية “من جهة هناك مكون إيراني من خلال حزب الله وآخر خاضع له وأي عمل ستقوم به السلطة الجديدة لن يؤتي ثمارا. على العكس سيساهم في ترسيخ مكون حزب الله وتشديد قبضته من خلال الإنتخابات النيابية والدليل انتخابات العامين 2005 و2009 التي لم تحل دون الوصول إلى ما نحن عليه على رغم وجود فريق 14 آذار آنذاك”.
بالتوازي، شكك الهندي بحصول الإنتخابات “علما أن حزب الله يصر على إجرائها ويحاول إلهاء الشعب اللبناني بكلامه عن التحضيرات. لكن يكفي حصول حادث أمني على غرار ما حصل في خلده أو اعتبار القانون الحالي غير مناسب ويجب تعديله في اللحظات الأخيرة حتى تتعرقل الأمور”.
واعتبر أن إقصاء المغتربين عن الإقتراع خلق إشكالية وجدالا في غير محله. “وهذه المزايدات الصادرة عن مكونات مسيحية طبيعية، لكنها لن تغير في مجرى المعادلة التي سيطبقها حزب السلاح بحيث سيمنع اقتراع المغتربين لأنه يعلم تماما موجة الغضب والرفض الإغترابي لسياسة الإحتلال الإيراني والطبقة السياسية المارقة، فمن يملك السلاح وبيده القوة العسكرية قادر على فرض كل المعادلات”.
مفاعيل شعارات النائب جبران باسيل المطالبة “بضرورة اقتراع المنتشرين” بحسب تسميته لا تعدو كونها مزايدات “لأن تحالف التيار الوطني الحر وحزب الله استراتيجي وهو تحوّل إلى أداة كاملة بأيدي إيران وسوريا من هنا لا يمكن الرهان مطلقا على تخليه عن هذا الإلتزام”. وعلى رغم سوداوية المشهد اعتبر الهندي “أن المطالبة بتنفيذ القرارات الدولية لا سيما منها الـ 1559 و 1701 ووضعهما تحت الفصل السابع ودعم مبادرة البطريرك الراعي ووضع آلية لتنفيذها ستكون خشبة الخلاص وإن كانت النتائج المرتقبة على المدى البعيد”.
وختم: “فتشوا عن نوايا حزب الله. وما يريده واضح: استبدال ميشال عون بجبران باسيل وترسيخ كلام قاسم سليماني الذي قال بما معناه: صار هناك برلمان مقاومة في لبنان”.