كتب ناصر زيدان في صحيفة الأنباء:
بينما يجهد رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي وغالبية وزرائها في العمل لإعادة تشغيل عجلة المؤسسات المعطلة والبدء في ترميم علاقات لبنان العربية والدولية، تطفو على سطح الوضع المتأزم حالة من الفوضى الكبيرة، تربك عمل الحكومة، وتساهم في شد عجلات التقدم إلى الوراء. والغريب أن أسباب هذه الفوضى المخيفة تتحملها القوى التي تتمتع بنفوذ كبير في الحكومة، ومن المفترض أن تكون في طليعة مسانديها، لأن تأليف الحكومة راعى غالبية مطالب فريق الحكم وقوى الممانعة، برغم أن هؤلاء يمسكون بناصية القرار في البلاد منذ ما يزيد عن خمس سنوات على أقل تقدير.
رئيس الحكومة خرج من لقائه بالرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مرتاحا، وانعكست تصريحاته وكلام ماكرون أمام قصر الاليزيه بردا وسلاما على لهيب المأساة اللبنانية، وبعثت بعض التفاؤل في الأوساط المالية والاقتصادية، خصوصا منها إشارة ماكرون إلى عدم التخلي عن لبنان، وتأكيد ميقاتي على تفاهم داخلي حصل على تحقيق إصلاحات تمهد للحصول على مساعدات خارجية، مع مراعاة للظروف القاسية التي يعيشها اللبنانيون، وزيارة ميقاتي للندن بعد باريس لها رمزيتها المفيدة ايضا. وجاء الإعلان عن جولة سيقوم بها ميقاتي الى دول خليجية، لتصب في ذات السياق الإيجابي، كما أن المساعي التي يبذلها لعودة الحرارة إلى العلاقة التاريخية بين لبنان والدول العربية والخليجية لها ارتدادات إيجابية كبيرة على الانطباق القائم في لبنان.
من أبرز الانحرافات التي تربك عمل الحكومة، إدخال المازوت الإيراني الى لبنان من دون دفع الرسوم الجمركية، عبر الطرقات البرية ذاتها التي تستخدم للتهريب على الحدود بين لبنان وسورية، وهذه الكمية كان يحتاجها السوق لمعالجة الشح من هذه المادة لأنها المصدر الوحيد لتوليد الطاقة الكهربائية، لكن هذه العملية انعكست وبالا على البلاد من ناحية ثانية، لأنها أظهرت هشاشة بعض مؤسسات الدولة، وأوضحت الهيمنة التي تمارسها القوى التي استوردت المازوت على هذه المؤسسات، وخلطت حابل النوعية المتردية للمادة مع نابل الأسعار التي بيعت فيها، لأن الأمر كان له خلفيات مالية وانتخابية، أكثر مما حمل من أهداف إنسانية أو معيشية، وتحولت مكاتب الأحزاب التي توالي «خط» المستوردين إلى وكالات تجارية لتسويق المازوت او لتقديم بعضه مجانا، والواضح أن هذا الحراك هدف الى تمويل حركة هذه الأحزاب والى التحشيد الانتخابي لجمهورها، لأن المصدر الممول لها يعاني من نقص في السيولة، في وقت كان لبنان بحاجة لتمويل استيراد النفط وليس لتأمين طرق الاستيراد وهي مفتوحة أمامه على عكس ما هو حاصل مع سورية وايران اللتين تعانيان من عقوبات اقتصادية دولية.
اما العوامل الأخرى التي صدمت الرأي العام، وأدت الى تراجع الثقة بالحكومة الواعدة، فكان من خلال الممارسات الفجة التي قام بها المحسوبون على حزب الله وأصدقاؤه في بعض أجهزة الدولة، وطالت تهديد قاضي التحقيق في جريمة المرفأ طارق البيطار، إضافة الى التفلت الأمني الواضح الذي حصل في شارع الحمراء وسط بيروت وغيرها من خلال الاستعراضات المسلحة، كما بقيام قوى نظامية بسلاحها الشرعي بحماية خارجين عن القانون، او تهديد أهالي شهداء مجزرة المرفأ، والحديث طويل في هذا المجال عن تسخير بعض مجموعات من الأجهزة الرسمية لخدمة بعض الأحزاب في مناطق محددة، واستخدام بعضها الآخر للتضييق على قوى معارضة في مناطق أخرى. وهناك قدح وذم وتهديد يطلق من مناصرين للقوى الممانعة ذاتها بحق مرجعيات دينية وسياسية وإعلاميين وناشطين، من دون أن تتحرك الدولة لردع هذه الانحرافات.
وزير الداخلية الجديد القاضي بسام المولوي اعترف من أمام دار الفتوى بعد زيارته المفتي عبداللطيف دريان «أن الوضع غير مريح، وهو سيبذل كل جهد ممكن لتصليح ما أمكن» فهل يتمكن مع زملائه المختصين من تحقيق هذا الهدف؟ أم أن الفوضى ستستمر، وبالتالي ستؤدي إلى فرض مخاوف جديدة لم تكن بالحسبان.