كتب جوني فخري في “العربية”:
بعد جولات من المعارك “السياسية” التي استُخدمت فيها شتّى أنواع التهليل الإعلامي والتهديد السياسي، نجحت قوى السلطة في لبنان بوقف التحقيق في جريمة انفجار مرفأ بيروت الذي أوقع 214 قتيلا ومئات الجرحى في 4 آب 2020، بعد تبلّغ المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، دعوى طلب الرد المقدّمة من قبل المدّعى عليه النائب نهاد المشنوق.
وأصبحت الكرة اليوم في ملعب محكمة الاستئناف إما برد الطلب وبالتالي يُكمل المحقق العدلي طارق البيطار عمله بشكل طبيعي، أو بقبول طلب الرد فتُكفّ يد القاضي البيطار عن القضية.
ومع أن قرار محكمة الاستئناف يُعتبر انتصاراً للقوى السياسية المعنية بعد التفافها على المحقق العدلي، إلا أنه كما يبدو انتصاراً مؤقتاً، لأن لدى المحقق العدلي صلاحية رفض طلب الرد.
رفض طلب الرد
وأوضح مدّعي عام التمييز السابق حاتم ماضي لـ”العربية.نت”: “أنه يحق للقاضي البيطار رفض طلب الرد والاستمرار بالتحقيق، طالما أن قرار محكمة الاستئناف مخالف للقانون، لأنه لا يحق لسلطة أدنى رتبة أن تُصدر قراراً بحق سلطة أعلى منها”.
طلب الرد يختلف عن طلب النقل
من جهته، لفت مصدر قضائي لـ”العربية.نت” إلى “أن القاضي البيطار وبعد تبلّغه طلب الردّ توقّف فوراً عن متابعة التحقيقات على عكس قرار النقل المُقدّم من قبل الوزير السابق يوسف فنيانوس أمام محكمة التمييز، حيث واصل عمله كالمعتاد”.
ولفت المصدر إلى “أن المادة 125 من أصول المحاكمات المدنية تنص على أنه منذ تبلّغ القاضي طلب الردّ يجب عليه التوقّف عن متابعة النظر في القضية إلى أن يُفصل في الطلب. إلا أن المحكمة التي تنظر بطلب الردّ في حال وجود ضرورة أن تُقرّر السير بالمحاكمات دون أن يشترك فيها القاضي المطلوب ردّه”.
مرحلة إسقاط الحصانات
وبعد تبلّغ المحقق العدلي طلب الردّ وتوقفه عن “متابعة النظر في القضية، تُبلّغ محكمة الاستئناف المعنيين بالملف، أي أهالي الضحايا ونقابة المحامين من أجل إبداء ملاحظاتهم خلال مهلة ثلاثة أيام.
وفي الإطار، توقّع المصدر القضائي “ألا تتجاوز مهلة رد محكمة الاستئناف على طلب الرد الشهر”.
لا أسباب رد
أما عن أسباب طلب الردّ المُقدّم، فاعتبر المصدر القضائي “أن أسباب الردّ (مثل وجود عداوة أو علاقة قربى أو مُداينة) غير موجودة في حالة القاضي البيطار، وبالتالي لا يجوز لمحكمة الاستئناف بتّ طلب ردّه، لأنه ليس من اختصاصها. وهناك تجارب في هذا السياق، إذ رفضت محكمة الاستئناف في بيروت في العام 2007 طلب ردّ المحقق العدلي إلياس عيد في قضية اغتيال رفيق الحريري لعدم الاختصاص. فالمحقق العدلي يتبع وظيفياً وهرمياً إلى المجلس العدلي وليس إلى محكمة الاستئناف.
عرقلة التحقيق واستعادة الحصانات
ولفت المصدر القضائي إلى “أن طلبات الردّ لا يُمكن وضعها إلا في خانة “عرقلة” التحقيق بانفجار مرفأ بيروت. فمن تقدّم بطلب ردّ يعلم جيداً أنه يؤخّر التحقيقات حتى بدء العقد التشريعي العادي لمجلس النواب في 19 تشرين الأول المقبل، لأن مع دورة الانعقاد البرلماني، تعود إلى النواب المدّعى عليهم الذين تقدّموا بطلبات الردّ (علي حسن خليل، غازي زعيتر ونهاد المشنوق) حصاناتهم، وعليه لا يحق للمحقق العدلي استجوابهم قبل حصوله على طلب إذن بإسقاط الحصانات النيابية عنهم”.
من هنا، أضافت المصادر القضائية “أنه يعوّل على محكمة الاستئناف البتّ بطلب الردّ قبل بدء الدورة العادية لمجلس النواب (خلال 22 يوماً)”.
ملاحقة أمنيين
واستبق المحقق العدلي طلب الردّ، بالتقدّم بطلبين جديدين إلى كل من وزير الداخلية والأمانة العامة لمجلس الوزراء للحصول على إذن بملاحقة كل من المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، ومدير عام أمن الدولة اللواء طوني صليبا.
تهديد حزب الله العلني للمحقق العدلي
والأسبوع الماضي، انشغل الرأي العام في لبنان بمعلومات عن أن حزب الله عبر مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب، وفيق صفا، بعث برسالة تهديد إلى القاضي طارق البيطار، تفيد بـ”اقتلاعه من منصبه، إذا استمر في تماديه”.
وكان أمين عام حزب الله حسن نصرالله، شكّك في أكثر من إطلالة له بمصداقية التحقيقات، معتبراً أن المحقق العدلي مسيّس.
تصعيد أهالي الضحايا
وعلى ضفّة أهالي الضحايا، فإن الاستمرار بالضغط الشعبي سيّد الموقف. وسيكون لهم تحرّك شعبي ظهر غد أمام قصر العدل في بيروت.
وأكد شقيق الضحية دجو نون، وليام نون لـ”العربية.نت”: “إننا ذاهبون إلى التصعيد، والمدّعى عليهم الذين رفضوا المثول أمام قاضي التحقيق سيكونون بنك أهداف تحرّكاتنا. لم يعد لدينا شيء لنخسره بعدما خسرنا أغلى الناس لدينا”.
مسخرة التدخل السياسي
وقال “التدخل السياسي واضح في قضية التحقيق وما جرى “مسخرة”، فهم اتّفقوا على تطويق القاضي البيطار وكفّ يده عن التحقيقات، وعلى السلطة القضائية أن تنتفض ضد ذلك، لأن مصداقيتها على المحكّ”.
ودعا نون من يتّهم القاضي طارق البيطار بـ”التسييس” إلى إبراز الأدلة حول ذلك”.