كتب طوني فرنسيس في “نداء الوطن”:
بين المدينة المدمرة وضحاياها وبين شلة السلطة والميليشيا معركة مفتوحة ليس القاضي فيها سوى عنوان أو رمز.
الجريمة كبيرة الى حدّ قد لا تتّسع له نصوص القوانين. فتلك النصوص توضع في العادة لمعالجة خلافات الافراد في حياتهم اليومية. في نزاعاتهم العقارية والمالية وفي ارتكاباتهم وتعدياتهم وحتى جرائمهم، لكنها تبدو قاصرة اذا تعلق الأمر بتدمير عاصمة وقتل سكانها.
هنا يصبح القاضي اهم من النصوص لأن القضية أهم وأكبر وبقدر ما يغوص في تفاصيلها وحيثياتها يحوز على اطمئنان الضحايا ويكسب في المقابل عداء رافضي الحقيقة والعدالة.
مع ذلك رضخ القاضي طارق البيطار للقانون في دعوى الرد التي أبلغ بها امس. اوقف استجواباته فوراً ما يسمح للمدعى عليهم من السياسيين كسب وقت يستعيدون في ختامه احتماءهم بالحصانة. لم يرضخ البيطار لتهديد مباشر من صاحب الميليشيا الوحيدة في البلد، وأكمل مهمته، الا انه استجاب لمادة في القانون تسمح بوقفه عن العمل حتى البت بالدعوى في المحكمة المختصة، وهي مادة مدعاة للتأمل بقدر إثارتها للعجب!
دعوى الرد مرادفة لدعوى الارتياب التي لجأ اليها آخرون لدى الاطاحة بالقاضي فادي صوان. وتبرير الرد حسب القانون يكون في إثبات وجود قرابة او مصاهرة او مصلحة أو عداوة أو مودة بين القاضي والفرقاء… وقد ينطبق ذلك في دعاوى من النوع التقليدي، أما الصاقه في حالة جريمة بحجم كارثة المرفأ، فإنه مدعاة سخرية.
لكنه القانون يُستعمل لنسف القانون، وهو أمر مألوف في دولة المزارع الطائفية والمذهبية، التي انتجت نظاماً كاملاً من الفساد والرشوة والسرقة العامة تحميه ميليشيات خارجة عن القانون والدستور.
وهذا النظام هو الذي رعى نيترات المرفأ، ويحمي اصحابها وتجارها من سياسيين وأمنيين، وباسمه توجه التهديدات سراً وعلناً، وهو بوسائله “القانونية” وغير القانونية يجهد لمنع التحقيق و”قبع” كل قاضٍ يتجرأ على السير في التحقيق حتى نهاياته.
الآن، القاضي الثاني في جريمة المرفأ مهدد بالابعاد، وسيصعب ايجاد قاضٍ ثالث ورابع يتولى المسؤولية، وسيكون على المجلس العدلي والحكومة التي احالت الجريمة عليه ان يقولا كلمتيهما، ولا كلمة تُقال في الموضوع غير كشف الحقيقة واحقاق العدالة، والا فالمجرم سيبقى حراً ومتهماً… لصقاً على جبينه.