كتب رمال جوني في نداء الوطن:
وداعاً لأيام الترف، ولأيام كان العطر فيها ضرورياً، غير أن الحال ليست جيدة، اذ دخل اللبنانيون زمن التقشف والتقنين والابتعاد عن الكثير من الأساسيات، بل بدأوا بيع ملابسهم القديمة لتسيير أمورهم. بالمقابل، يعيش النازح حالة ترف، يحظى بكل الدعم اللازم من مأكل وطبابة وتعليم وحتى النقل، فيما اللبناني يتخبط بواقعه القاسي ويتخلى عن وسيلة النقل لأولاده الى المدرسة لتخفيف الفاتورة ويبحث عما أمكنه ليصمد.
فأي حال يعيشها المواطن وأين الجمعيات من حاله؟
لم يعد العطر من الأساسيات، بات ثانوياً جداً بعد إرتفاع ثمنه، مثله مثل الحذاء الذي استغنى عنه المواطن وفضّل “التسكيج” على القديم، حتى أنه بدأ بيع ملابسه القديمة لإستبدالها بأمور اساسية كالتدفئة والغذاء، خاصة وأن الوضع الإقتصادي دخل أسوأ مراحله، رغم “همروجة” خفض الإسعار مقابل إنخفاض الدولار.
بات المواطن يبحث عن أي مصدر يأتيه بالقليل من المال، جديده بيع ملابسه القديمة، فهذه الظاهرة بدأت تتوسع سيما بُعيد إنطلاق الموسم الدراسي، وحاجة الناس الى سيولة لتأمين متطلبات الاولاد من كتب وقرطاسية وغيرها، فهذه الآلية تمكّن كثراً من تأمين القليل عوضاً عن “مد اليد”، وفق ما يقول مصطفى الذي جمع كل الألبسة القديمة لديه، سواء ملابسه او ملابس أولاده، واستبدلها بكتب وقرطاسية. على حدّ قوله “الظروف قاسية، والمدرسة حاجة أساسية، الاولوية لتعليم اولادي، فهم المستقبل. الغلاء تضاعف كثيراً رغم انخفاض الدولار، ما زاد من معاناتهم اليومية اكثر، الا انه كله يهون أمام دخول اولادي الى المدرسة”.
ليس مصطفى وحده من لجأ الى هذه “الحيلة الايجابية”، كثر مثله فعلوا بعدما فقدوا الأمل بأي مساعدة محتملة، وطار حلم البطاقة التمويلية، خلافا للنازح السوري الذي يحظى بكل شيء، من معاش شهري يتقاضاه بالدولار من البنك اللبناني ـ الفرنسي الذي يشهد صرّافه الآلي زحمة كبيرة جداً، الى بدل تدفئة وتعليم ونقل وطبابة، هذا عدا عن سيطرة اليد العاملة السورية على كل المهن الحيوية، بحيث لا تقل يومية العامل عن الـ120 الف ليرة، بالمقابل تحافظ يومية العامل اللبناني على استقرارها، على 30 الف ليرة مع فقدان كل الخدمات الأخرى التي يحظى بها النازح، ما يخلق تمايزاً داخل البيئة الحاضنة، اذ يشعر الجميع بأن النازح “وضعه مرتاح” مقارنة مع وضع اللبناني الذي يعيش “بالكحالة”.
كل ذلك يجعل الوضع سوداويا اكثر، ماذا يفعل اللبناني؟ كيف يواجه ظروفه وتحديات العام الدراسي وفقدان البنزين والمازوت للتدفئة؟ كل ذلك يدفعه لبيع ما بحوزته من ألبسة وربما اثاث، فالوضع يستدعي ذلك تقول ام مروان وقد باعت كل الملابس التي كانت لديها او بالاحرى “التي لا يلبسها اولادي لأشتري حاجياتهم، فزوجي بالكاد ينتج لقمة الطعام”. إضطرت لفعل ذلك كي لا تستجدي مساعدة “فلان وعلتان”، في ظل تراجع حركة الجمعيات مقارنة مع السنوات الماضية، باستثناء بعض المبادرات لجمع الكتب القديمة وتوزيعها على من هم بحاجة لها، وما عدا ذلك الجمعيات في حلّ من خدمة الناس رغم عددها الكبير، وكلها تعمل تحت ستار “الخدمات الانسانية”، غير انه وفق أم مروان “ما شفنا شي، معظم الجمعيات تأتي لدعم النازح الذي يمتاز بوضع جيد، أما اللبناني فما الو غير الله”. كانت أم مروان كما كل الأهالي تعقد الآمال على بطاقة الدولة التمويلية، ظنت انها اقتربت وستستفيد منها لتيسير امورها، ولكن وفق قولها “في لبنان الدعاية حلوة بس النتيجة فاضية”.
المفارقة العجيبة أن الجمعيات غائبة عن السمع، وتغيب برامجها الانعاشية رغم ان المعلومات تشير الى أنها حظيت بدعم كبير على مشاريع وهمية في أكثرها، فمتى تستيقظ لتقف الى جانب الناس في محنتهم؟ وإذا لم تقم بدورها اليوم متى تتحرك؟ أبِزمن البحبوحة؟