كتبت مرلين وهبة في “الجمهورية”:
يجمع المراقبون على انّ ملف التعيينات سيكون من أبرز التحدّيات التي ستواجهها الحكومة الجديدة في المرحلة المقبلة، إذ انّها ستُطرح بجدّية على طاولة مجلس الوزراء، خصوصاً بعد ارتفاع نسبة الشغور في عشرات المواقع والمراكز القضائية في الدولة، ناهيك عن نسبة الشغور المرتفعة في المراكز الإدارية في سائر الوزارات.
جديد الشغور في المواقع القضائية إحالة المديرة العامة لوزارة العدل القاضية رلى جدايل الى التقاعد الاسبوع المنصرم، بعد انتهاء مدة خدمتها بحسب الأصول الدستورية، لتحلّ مكانها القاضية هيلانة اسكندر رئيسة هيئة القضايا والاستشارات، وهي الاكبر سناً في وحدات الوزارة. وبناءً عليه تمّ تكليفها ادارة شؤون وزارة العدل في انتظار تعيين المديرالعام الاصيل بمرسوم، بعد تصويت عليه في مجلس الوزراء، ليرتفع عدد المراكز الشاغرة في الإدارات والوزارات، مثل وزارة المال وغيرها. علماً أنّ اسكندر كانت سابقاً قد كُلّفت المهمات نفسها ايضاً عند إحالة المديرة العامة السابقة القاضية ميسم نويري الى التقاعد قبيل تعيين جدايل خلفاً لها. وتجدر الإشارة، الى انّ اسكندر هي القاضية الأعلى درجة بين قضاة رؤساء الوحدات الادارية في الوزارة، أي رؤساء هيئة التشريع والإستشارات، هيئة القضايا، والمعهد القضائي. وتكون القاضية الأكبر سناً بالإجمال هي الاعلى رتبة ودرجة.
وفي السياق، لا بدّ من الإشارة الى انّ سن التقاعد للقاضي المدير العام لوزارة العدل هو عند بلوغه 68 عاماً، مثله مثل سن التقاعد بالنسبة الى القضاة المعينين في الإدارات العامة والوزارات، اي ليس كسن الـ64 التقاعدي بالنسبة لسائر الموظفين، بمعنى انّه يسري على القاضية جدايل القانون القضائي وليس القانون الوظيفي، ولذلك أُحيلت على التقاعد لبلوغها سن الـ68 وليس 64.
وفي العودة الى آلية تعيين المدير العام لوزارة العدل وبحسب الدستور، فقد نصّت شروط المنصب للإدارة العامة لوزارة العدل، ان يشغلها قاض ذو درجات مرتفعة، ويتمّ هذا التعيين بناءً على اقتراح وزير العدل، وهو تعيين فئة اولى يُقدّم الى رئاسة الحكومة على ان يتخذ مجلس الوزراء قراره بالتعيين بعد التصويت عليه.
وفي الوقائع، تعتبر المصادر القضائية المعنية، انّ تعيين المدير العام لوزارة العدل ليس اولوية اليوم، وتبعاته ستولّد مشكلات ستعوق بدورها إمراره لدى بعض الوزراء في الحكومة، بحجة وجوب ملء الشغور ايضاً في كافة المراكز الادارية، لا سيما منها المراكز المسيحية الشاغرة. ولذلك ترجّح المصادر نفسها تأخير هذا التعيين في المرحلة الحالية والاكتفاء بإدارة اسكندر للمنصب الى حين تحديد مصير هذا الموقع مع سائر المراكز القضائية الشاغرة، والتي تُعتبر قي نظر المعنيين أهم من منصب المدير العام لوزارة العدل، من مثل تعيينات مجلس القضاء الاعلى. فالمهم في نظر المعنيين ان تتمّ تغطية المركز لكي لا يبقى شاغراً .
القضاة الشبان… «طاحشين»
درجت العادة أن يتمّ تعيين القاضي الأعلى درجة في منصب المدير العام لوزارة العدل، وقد تمّ تعيين جدايل على هذا الاساس، إلّا أنّ التنافس اليوم وبحسب المعلومات هو سيّد الموقف، إذ انّه لم تعد هناك اي اعتبارات للدرجات، بل انّ المعركة مفتوحة، والقضاة الشبان يتأهبون ومتحمسون للتنافس على تلك المناصب الشاغرة، غير آبهين بالعرف القائل بأحقية القضاة الأعلى درجة، علماً أنّ القضاة «الطاحشين» حسب ما يكشف مصدر قضائي، هم قضاة من الدرجات المتدنية. ويقول انّ هذا الامر دمّر الإدارة، لأنّ تعيين قضاة شبان لا يملكون الخبرة الكافية في مراكز الإدارة يشكّل امراً خطيراً، نظراً لأهمية العمل الاداري في السلك القضائي، لافتاً الى خطورة الإطاحة بالعرف وكسر مبدأ التسلسل الإداري، اي الإطاحة بالأقدمية والدرجات.
وبحسب المعلومات، فإنّ بعض القضاة بدأوا جولاتهم على عدد من المقامات والزعامات السياسية في البلاد، لأنّهم يعلمون انّ قرار تعيينهم سيصدر عن الطاقم السياسي، متسلّحين بالتجربة التي عيّنت أمثالهم، اي القضاة الشبان، في المناصب الإدارية المهمّة، ومثالاً على ذلك تعيين القاضي محمد مكاوي محافظاً لجبل لبنان، والقاضي جورج عطية رئيساً لهيئة التفتيش المركزي، والقاضي كمال ابو جودة محافظاً للبقاع، والقاضي هاني شميطلي اميناً عاماً لوزارة الخارجية.
هجمة سنّية
وفي العودة الى منصب المدير العام لوزارة العدل الذي شغر بعد إحالة جدايل الى التقاعد، فالمعلومات تفيد بأنّ جميع القضاة السنّة ذوي الدرجات المتوسطة «طاحشين» لتولّي هذا المنصب، غير آبهين بمعيار الدرجات والتسلسل الاداري او القيمة للموقع. في وقت تلفت المصادر، الى أهمية ان يُعاود أخذ اهمية الوحدات الادارية في الاعتبار، مشيرة الى انّ المدير العام هو الرئيس التسلسلي الاول للموظفين المباشرين بعد الوزير. وعليه، يجب أقله ان يكتسب القاضي الذي سيتولّى هذا المنصب الخبرة الكافية للإدارة.
في المقابل، تجدر الإشارة الى إشادة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بظاهرة توزير قضاة في الحكومة الجديدة، اذ اعتبرها ظاهرة صحية، في كلمته قبيل منح حكومته الثقة، على قاعدة انّ القضاء هو اساس العدل، وهذا ما تطمح اليه حكومة «معاً الى العمل» وفق تعبير ميقاتي..
جدايل: الكفاية اولاً
وعن رأيها في آلية التعيينات تقول جدايل لـ»الجمهورية»: «لا أحبّذ تعيين القضاة في مناصب الإدارات العامة في الوزارات. فالقاضي يجب ان يتفرّغ لعمله، اي ان لا يكون القضاء بالنسبة اليه مرحلة لينتقل من بعدها الى العمل في الادارة، لأنّه كرّس نفسه ليكون قاضياً، ولذلك يجب عليه التأقلم مع نمط حياته ويعمل على اساس أنّه قاضٍ، لأنّ العكس قد يضطرّه الى مسايرة السياسيين او اقامة علاقات معهم، الأمر المنافي لعمل القاضي». واضافت: «حبذا لو تخف «الهجمات» على المراكز الادارية في الوزارات، لكي يبقى القاضي قاضياً وفي مكانه الصحيح».
أما بالنسبة الى وزارة العدل، فالامر مختلف في رأي جدايل، لأنّ القانون يتطلب اختيار قاضٍ لإدارتها. وتقول: «إنّ الطامحين لتولّي ادارة وزارة العدل كثر، لكن القاضي الأكفأ هو الأوْلى لتولّي هذا المنصب بغض النظر عن الدرجات». إلّا أنّها تلفت الى «انّ امام التساوي في الكفاية بين القاضي الشاب والقاضي صاحب الدرجة المرتفعة، يُفضّل بالتأكيد اختيار القاضي الأعلى درجة».
أما عن تجربتها الطويلة في السلك القضائي فتعتبرها «مشوقة جداً وجميلة»، وانّها علّمتها «وجوب ان لا يكون الإنسان مطواعاً فقط، بل ان تكون لديه خبرة في اكثر من مجال لتسيير العمل الإداري الذي يتطلب شخصية قيادية ومعلومات ادارية واحترام التسلسلية بالتخاطب واحترام الهرمية في الوزارة، بالإضافة الى العلاقات العامة المهمة»، لافتة الى «انّ المقصود بالعلاقات العامة ليس العلاقات السياسية، بل ان يبني القاضي العلاقات العامة مع الامم المتحدة والمنظمات الدولية والاتحاد الاوروبي والبنك الدولي، وذلك لأهمية التخاطب والتواصل معها. بالإضافة الى انّ منصب المدير العام يتطلب من شاغله المعرفة بشؤون الوزارة ومشكلات القضاة وهواجسهم وحاجات الموظفين ومراعاة التسلسل الاداري، كطلبات النقل واختيار الأكفأ في المراكز المناسبة. فيما ترى جدايل انّ المهمة ستكون صعبة بالنسبة الى المدير العام الجديد، خصوصاً انها تتطلب توافر مزايا كثيرة في قاضٍ واحد، متمنية ان يتمّ تعيين هذا المدير في اقرب وقت، وان يكون الرجل المناسب للمكان المناسب.
في السياق، تمنت جدايل التوفيق لوزير العدل الجديد هنري الخوري، مشيرة الى انّه «قاض خبير بشؤون العدلية وقصور العدل»، كاشفة أنّ الوزيرة السابقة ماري كلود نجم بذلت جهوداً كبيرة في الوزارة خدمة للمصلحة العامة، إلّا أنّها لم توفق بما كانت تطمح اليه.