كتبت زينة عبود في “نداء الوطن”:
فيما تصبّ وزارة التربية جهودها لإنجاح العام الدراسي وتأمين انطلاقة آمنة له في خضمّ التحديات الاقتصادية والمعيشية الكبرى، يجب التنبه الدائم إلى أن خطر جائحة كورونا لا يزال قائماً هو الآخر ويستدعي الحيطة والحذر كي لا تتفاقم الأمور وتخرج عن السيطرة.
للوهلة الأولى يسود اعتقاد أن إجراءات الوقاية من الوباء القاتل باتت واضحة ومعلومة للجميع للصغار قبل الكبار ولكن، يا للأسف، هناك من أسقط فرضية الكورونا من الأساس والأخطر انها معلّمة من المفترض أنها قدوة ومثال يُحتذى به.
إنه رشح كورونا… لا داعي للهلع!
في العشرين من أيلول عاد تلاميذ إحدى المدارس البقاعية الى المقاعد الدراسية بحماسة بعد غياب عامين. وصلت إحدى المعلمات الى الصف، وقفت أمام طلابها وأعراض الرشح بادية على وجهها، من دون أن تكلّف نفسها عناء وضع الكمامة نهائياً، وقالت لهم “لا داعي للهلع! لستُ مكورنة هذا رشح عادي مع بداية فصل الخريف… وأصلاً أنا مطعّمة”.
في اليومين التاليين تغيّبت المعلّمة عن المدرسة لتبدأ الأعراض بالظهور تباعاً على بعض الأساتذة فبلغ عددهم أربعة، وستة من الطلاب، في حصيلة غير نهائية كانت مرشّحة للازدياد في الأيام التالية.
ويروي الطلاب أن المعلّمة “المرشّحة” تلتزم بالكمامة أمام إدارة المدرسة في الملعب خلال فترات الاستراحة، فيما تنزعها عن وجهها فور دخولها الى الصفّ حيث تتجوّل بين الطلاب وكأن كورونا اختفت من الوجود بمجرّد أنها تلقّحت.
وخلافاً لإرشادات وزارة التربية، لا تلتزم إدارة المدرسة بإلغاء الاستراحات وحصرها داخل الصفوف، حتى أنها نظّمت الأسبوع الفائت ترويقة جماعية لطلاب الصف الثالث ثانوي بفرعيه حيث اختلط الحابل بالنابل وتطاير الرذاذ مع الأحاديث والضحك في كل مكان.
أساساً ان الإدارة تتعامل مع كورونا على أنه فيروس عادي كالرشح يمكن التعايش معه متناسية أن لهؤلاء الطلاب عائلات تضمّ أطفالاً وكبار سنّ ومرضى قد لا يتحمّلون تبعات هذا الوباء القاتل.
هذا النموذج من التعاطي مع الوباء في المدارس يعرّض العام الدراسي للخطر من دون أدنى شك، في وقت تصرّ وزارة التربية على إنجاحه بكل السبل وتؤكد مصادر الوزارة أن أي إقفال للمدارس غير وارد البتّة فالوزارة قامت بكامل واجباتها ووضعت خطة وتوجيهات عامة إذا التزمت بها إدارات المدارس ستبقى الأمور تحت السيطرة، أما المدرسة التي لا تريد التعاون والالتزام بالإرشادات فلتتحمّل المسؤولية. وأضافت المصادر “نحن نعمل بجهد وجدّ من اجل إنقاذ العام الدراسي في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة ونعتبر أن قطوع كورونا قد مرّ وباتت الأمور واضحة وما من لبناني لا يدرك المخاطر وأساليب الوقاية”.
وعن إمكانية العودة الى التعليم عن بعد، تشير المصادر الى ان هذا الخيار كان محطّ امتعاض الأهالي والطلاب والمعلمين وأثبتت التجربة أنه غير فعّال البتّة وتشوبه ثغرات كبرى خصوصاً هذا العام مع أزمة الطاقة التي لا ندري الى أين ستصل.
نسبة تلقيح الاساتذة غير كافية
بالدرجة الأولى، يُعتبر فتح أبواب المدارس مرتبطاً بحركة فيروس كوفيد -19 في المجتمع بالاستناد الى نسبة التلقيح عموماً، إضافة الى التنظيم الداخلي لكل مدرسة والالتزام بالبروتوكول الصحي الموضوع بالتعاون مع وزارة التربية لإنجاح العام الدراسي بأقلّ ضرر وبائي ممكن، وفق رئيس اللجنة الوطنية للقاح الدكتور عبد الرحمن البزري الذي يشير الى ان عدد المعلمين المسجّلين على المنصّة بحدود خمسة وسبعين الفاً، نصفهم على الأقل لم يتلق اللقاح لأسباب خاصة تتعلّق بالتردّد في اخذه أو بتفضيل لقاح على آخر، لكن هناك قسم من المعلمين مسجّلين على المنصة من دون ان يذكروا أنهم من القطاع التعليمي وهؤلاء قد يكونون تلقوا لقاحهم لذا يصعب إحصاء العدد بالكامل، خصوصاً ان وزارة التربية لا تملك لوائح كاملة تحصي الكادر التعليمي والوظيفي وعدد الملقحين منهم.
امام هذا الواقع، يرى البزري انه لا بدّ من حملات توعية للمعلمين لحثّهم وتشجيعهم على أخذ اللقاح لحماية أنفسهم ومن حولهم، مشيراً الى انه منذ نحو شهر بدأ تطعيم الفئة العمرية من 12 الى 16 عاماً التي تشمل قسماً كبيراً من طلاب المدارس متوقعاً ان تزداد أعداد الملقحين في صفوف الطلاب ليبقى خطر انتقال العدوى محصوراً لدى الفئات العمرية دون الاثني عشر عاماً ويضيف “إذا تمّ الالتزام بالإجراءات الوقائية المعروفة ستبقى الأمور تحت السيطرة ولن يرتفع عداد كورونا”.
وتبعاً للدراسات العالمية، فإن الأساتذة ينقلون العدوى بين بعضهم البعض أكثر ممّا ينقلونها الى الطلاب نظراً الى الاجتماعات والتجمعات التي تجري بينهم، وفي السياق، يلفت البزري الى خطط جديدة يجري إعدادها في وزارة التربية مع تسلّم الوزير عباس الحلبي مهامه تشمل تنظيم حملات توعوية لأهمية اللقاح، متحدثاً عن مناطق معينة لا تزال نسبة التلقيح فيها ضئيلة جداً وكذلك بالنسبة الى الفئات العمرية المتردّدة. ويختم البزري بالتأكيد أن لا خطر على العام الدراسي من كورونا لأن اللقاحات متوافرة متى شاء أي شخص التطعيم.
المدارس في المرصاد
بكل الأحوال، فإن الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية في حالة رصد وترقّب لمسار الجائحة في المدارس وهي على أهبة الاستعداد لأي طارئ قد يحصل في أي مدرسة كانت وهي وضعت خطة بديلة في حال تفشى وباء كورونا بشكل دراماتيكي لاستكمال العام الدراسي ضمن إجراءات مناسبة.
هذا ما يؤكده الأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب يوسف نصر الذي يوضح أن نسب الإصابات لا تزال ضئيلة ومحصورة في المدارس الكبرى حيث هناك اكتظاظ طلابي في وقت لم تحدّد وزارة التربية سقف عدد الطلاب ضمن الصف الواحد وتركت الأمر للمدارس التي قد تخفق في هذا الموضوع، مشيراً الى ان هناك إدارات تعمل بحكمة وتتخذ قراراتها وإجراءاتها بحسب البروتوكول الصحي وبالاستناد الى توجيهات وزارتي التربية والصحة للحدّ من تفشي فيروس كورونا بين الطلاب والأساتذة بمعنى إقفال الصف الذي تتبيّن فيه إصابة لأسبوع كامل كي يتمّ رصد كل المصابين من خلال الأعراض طيلة فترة الإقفال.
وإذا تطورت الأمور وتفاقمت أعداد الإصابات، يلفت الأب نصر الى ان الأمانة العامة ستكون على مشارف قرارات جديدة لكن الإقفال الكامل وإنهاء العام الدراسي أو حتى الاتجاه الى التعليم عن بعد كلّها خيارات غير واردة بتاتاً، إنما الخطة البديلة تقوم على التعليم المدمج لتخفيف الاكتظاظ بمعنى تقسيم الطلاب في الصف الواحد الى مجموعتين تحضر كل مجموعة الى المدرسة في أيام متقاطعة بما يسمح بتطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي المطلوب لمكافحة الجائحة. ومع تأكيده على وعي الكادر التعليمي، يؤكد ان هذا التوجّه سيُعمل به عندما تصل مدرسة ما الى وقت تضطر لإقفال أبوابها بالكامل بسبب تفشي الوباء بشكل كبير.