كتبت راكيل عتيق في “الجمهورية”:
أعلنت إسرائيل أمس الاول، أنّها «لا تنتظر لبنان وبدأت التنقيب في حقل كاريش»، هذا بعد منحها عقوداً لتقديم خدمات تقييم تنقيب آبار غاز ونفط في البحر لشركة Halliburton الأميركية، في ما يُسمّى «حقل كاريش» في المنطقة والحدود البحرية المُتنازع عليها، ما استدعى تقديم شكوى رسمية من لبنان الى الأمم المتحدة حيال هذا الإجراء الإسرائيلي. هذان التطوران اللذان يهدّدان حقوق لبنان البحرية والنفطية، أعادا الى الواجهة مرسوم تعديل الخرائط البحرية التي تشمل الخط 29 جنوباً، فيما خرائط الأمم المتحدة لجهة حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية تعترف بإحداثيات الخط 23. ويعتبر البعض أنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يحتجز هذا المرسوم ولا يوقّعه، ما يعرّض لبنان الى حرمانه من حقوقه وسرقتها على يد اسرائيل، خصوصاً أنّ المفاوضات غير المباشرة معها على ترسيم الحدود البحرية جنوباً، عُلّقت في أيار الماضي.
كذلك يعتبر البعض، أنّ عون يستخدم هذا المرسوم ورقةً لمفاوضة الأميركيين على رفع العقوبات عن رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، ويُهمل موضوع حماية حقوق لبنان بعدم توقيعه. إلّا أنّ مصادر قريبة من عون تؤكّد أنّ «ترسيم الحدود البحرية لم يغِب عن اهتمامات الرئيس»، مشيرةً الى أنّه اجتمع أخيراً بوفد لجنة التفاوض العسكرية الذي قدّم له تقريراً مفصّلاً عن مسار التفاوض، مع أفكار لإمكانية معاودة استئناف التفاوض». وتوضح أنّ هذا الموضوع ليس في يد الدولة اللبنانية، فإسرائيل أوقفت المفاوضات لأنّها لا تريد التفاوض على حدود مفتوحة بين الخطين 1 و29، وهي مصرّة على التفاوض على الخط 23 والى الوراء أي «خط هوف»، إلّا أنّ عون كان واضحاً، وأبلغ الى الأميركيين رفض التفاوض على «خط هوف»، وأنّ لبنان يريد البحث في ما بعده. ثمّ توقفت المفاوضات، كذلك انتُخبت إدارة أميركية جديدة، وعُيّن وسيطها في مفاوضات الناقورة السفير جون ديروشيه سفيراً لدى قطر، ثمّ حصلت أحداث أفغانستان وتولّت قطر بتكليف من الأميركيين عمليات الإجلاء من أفغانستان وبالتالي انشغل ديروشيه بهذا الموضوع.
أمّا استبدال الإدارة الأميركية وسيطها ديروشيه بالمستشار السابق للرئيس الأميركي جو بايدن في مجال الطاقة الدولية آموس هوكشتاين صاحب فكرة «تجاهل الخطوط، والذهاب الى التفاوض مباشرة على الحقول المشتركة تحت البحر وتقاسم الأرباح من خلال شركة تدير المنطقة المتنازع عليها»، هي معلومات غير مؤكّدة بحسب دوائر القصر الجمهوري، التي لم تتبلّغ حتى الآن أي أمر رسمي بهذا الخصوص.
وعن عدم توقيع عون مرسوم تعديل الخرائط البحرية بحيث تشمل الخط 29 وليس 23 فقط، تقول المصادر القريبة من عون: «إنّ الأولوية معطاة لاستئناف المفاوضات، فنحن نريد أكل العنب وليس قتل الناطور، وإذا جرى أي تعديل في الوقت الحاضر قبل أن يكون هناك مناخ ملائم لذلك، سيوقف الإسرائيليون التفاوض ولن يقبلوا باستئناف المفاوضات». وتوضح، أنّ «الأولوية للتفاوض وبلا شروط مسبقة، وأبلغنا الى الأميركيين ذلك وهم يعملون على استئناف المفاوضات على هذا الأساس. علماً أنّ الإسرائيليين يرفضون التفاوض على الخط 29. وبالتالي إنّ الهدف هو تحضير الأجواء لاستئناف التفاوض، لأنّ من خلاله قد نصل الى مكان معيّن وتثبيت حقوقنا، ولا يريد الرئيس عون أن يطرأ ما يوقف مسار التفاوض، فلا طريقة أخرى لاستعادة ثروة لبنان البحرية إلّا بالتفاوض». وتشير المصادر نفسها، الى «أنّنا طلبنا رسمياً في كتاب الى الأمم المتحدة تجميد تقويم التنقيب ضمن الأراضي المتنازع عليها، وفي الوقت نفسه طلبنا استئناف المفاوضات بالتوازي مع توقف التنقيب».
لكن أي جدوى من تقديم شكوى ضد إسرائيل بهذا الخصوص الى الأمم المتحدة، طالما أنّ لبنان لم يعدّل حدوده رسمياً، وما زالت الخرائط الرسمية لا تشمل الخط 29؟
توضح المصادر نفسها، أنّ «الشركات التي ترغب في إجراء تقييم التنقيب ستعلم من خلال هذه الشكوى أنّ هذه المنطقة متنازع عليها وتوقف العمل. فهذه شركات عالمية وليست اسرائيلية، وبالتالي ستتحمّل مسؤولية لاحقاً إذا تمّ التوصل الى أنّ المنطقة التي أجرت التنقيب فيها ليست اسرائيلية».
إنطلاقاً من ذلك، يواجه لبنان التنقيب أو التحضير للتنقيب الاسرائيلي في المنطقة المتنازع عليها على خطين، التحرك عبر الامم المتحدة ومجلس الأمن، وتفعيل تحريك خط التفاوض لكي تُستأنف المفاوضات وتُجمّد عملية التنقيب ريثما يتم الاتفاق بنتيجة التفاوض، معولاً على الأميركيين الذين قدّموا أنفسهم «وسيطاً نزيهاً».
كذلك تجزم المصادر إياها، أنّ رفع العقوبات عن باسيل ليس مطروحاً في حسابات عون، مذكرةً أنّ المفاوضات حين انطلقت لم يكن هناك أي عقوبات، وموضحةً أنّ «المفاوضات لم تُنقل من رئيس مجلس النواب نبيه بري الى الرئيس عون»، بل إنّ بري بدأ العمل مع الأميركيين في زمن الفراغ للوصول الى إطار للتفاوض، وهو من قال إنّه قام بما عليه، وبعد الاتفاق على إطار، يصبح ملف التفاوض لدى رئيس الجمهورية بموجب المادة 52 من الدستور التي تعطيه حق التفاوض مع الجهات والهيئات الخارجية، وإثر ذلك انتدب عون بالتنسيق مع قيادة الجيش والأطراف المعنيين لجنة للتفاوض. وبالتالي إنّ المفاوضات بالنسبة اليه «ليست مرتبطة لا بعقوبات أميركية ولا بأي قضية أخرى، بل إنّ الأولوية لديه مصلحة لبنان وسيادته، وهذا هدف المفاوضات، واسترجاع حقنا في مياهنا والمباشرة بالتنقيب في أمان واستقرار».
انطلاقاً من المادة 52 نفسها، شكّل عون بالاتفاق مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لجنة وزارية للتفاوض مع صندوق النقد الدولي، تضمّ مستشارين لعون.
ورداً عمّا يُشاع من امتعاض ميقاتي من ذلك والتعدّي على صلاحيات رئيس الحكومة، توضح المصادر القريبة من عون أنّ «المادة 52 من الدستور تجيز لرئيس الجمهورية التفاوض مع كلّ هيئة أجنبية، والرئيس فوّض بالاتفاق مع رئيس الحكومة هذه اللجنة الوزارية التي تضمّ أيضاً حاكم مصرف لبنان وخبراء معنيين بموضوع التفاوض، لكي يساعدوا الوزراء»، وتشير الى أنّ «لا الخبراء سيقرّرون ولا غير الخبراء، بل انّ عملهم هو التفاوض مع صندوق النقد والوصول الى نتيجة، على أن تُعرض هذه النتيجة على مجلس الوزراء ليبت بها وفقاً للأصول». وتشدّد على أنّ «الرئيس عون من خلال مسؤوليته، من المفترض أن يتابع مسار التفاوض، وسيتابعه من خلال الخبراء والوزراء. والهدف من ضمّ خبراء الى اللجنة ليس لعرقلة التفاوض بل لمساعدة الفريق الوزاري المفاوض وإفادته عند الضرورة». وترى أنّه «جرى إعطاء هذا الموضوع أكثر ممّا يستأهل، لكي يخلقوا خلافاً سياسياً بين عون وميقاتي، الأمر الذي لم ينجح. فميقاتي رجل عملي، وهم «يعملون قضية من لا شيء». وميقاتي ليس ممتعضاً، بدليل صدور قرار تشكيل اللجنة».
وعن أنّ ميقاتي خضع لرغبة عون وباسيل، تقول: «شو ما صار بدّن يقولوا»، وهذا جزء من حملة مستمرّة. باسيل لم يتعاطَ بهذا الموضوع لا من قريب ولا من بعيد، لكنهم يلبسونه كلّ شيء. وحتى لو نفت الوقائع كلّ ما يُقال، فهذه مادة يستثمرونها سلباً ضد العهد وعون وباسيل شخصياً».