كتبت مايا الخوري في “نداء الوطن”:
تمرّ الممثلة والإعلامية هيام أبو شديد بحالٍ من الإحباط نتيجة الوضع في لبنان لأن وطنها الذي أصرّت على البقاء فيه وعدم هجرته قد خذلها. لكنها تدعو إلى المقاومة وعدم الخضوع من أجل استرداده والنهوض به مجدداً. كما أنهت أبو شديد منذ شهرين ترميم الدمار الذي سبّبه إنفجار 4 آب في ممتلكاتها، لكنّ جرح هذه الجريمة لا يزال عميقاً في نفسها. عن الوطن، الإعلام ومسلسل “الزمن الضائع”، تتحدث إلى “نداء الوطن”.
عمّا تتمحور شخصيتك في مسلسل “الزمن الضائع” للمنتج والمخرج إيلي معلوف؟
أقدّم شخصية مربية لفتاة يتيمة الأم، تتعلّق بها وترافقها في كل مراحل حياتها، لكن لديها قصة خاصة يكتشفها الجمهور قبيل انتهاء المسلسل.
عانى قطاع الدراما بسبب “كورونا” والأزمات المالية والإقتصادية، كيف تنظرين إلى ما يحققه حالياً؟
نعيش مقاومة فنيّة لذا تُرفع القبّعة لكل منتج يثابر على تصوير الأعمال في هذه الظروف. يعاني الممثلون من أجل تأمين البنزين للوصول إلى مكان التصوير كما يعاني المنتج لتأمين المازوت لتشغيل المولّدات في مواقع التصوير. نحن نتأقلم مع الظروف بهدف الإستمرار.
أي زمن برأيك أضعنا في لبنان؟
أضعنا أزمنةً وأضعنا حياتنا كلّها. للمرة الأولى، أشعر بإحباط بعد إنتهاء الحرب اللبنانية ومعركة القليعات. وُلدت ونشأت ودرست وتزوّجت وأنجبت وربّيت ولديّ في زمن الحرب. هاجر ولداي، ولا نزال نعيش في هذا الزمن. إختلفت طريقة الحروب ولم تعد هناك قذائف كما في الماضي، لكننا نختبر واحدةً غير منظورة. لا يزال وجعنا كبيراً.
لو عاد الزمن إلى الوراء، أي تغيير ممكن أن تُحدثيه في حياتك؟
كان يُفترض ربّما مغادرة لبنان منذ زمن. على رغم تخصصي الجامعي في فرنسا، أصريت على العودة والإستقرار هنا. حالياً، أشعر بنوع من الندم، لأنني لم أكن أريد أن أخذل وطني حينها، لكنه خذلني.
كيف تتعايشين مع هجرة ولديك إلى كندا منذ 8 سنوات؟
لطالما زرتهما مصرّة على العودة إلى لبنان حيث حياتي كلها، لم أفكّر يوماً بالهجرة. أحسست هذه المرّة بغصة كبيرة في الطائرة، وأنني أعود غصباً عنّي، لأنني شعرت بأن وطني هو حيث يتواجد ولديّ، وأنني أحمله في قلبي حيثما ذهبت، خصوصاً بعد الوجع الذي خبرناه بسبب إنفجار 4 آب.
ما الذي ينقصنا برأيك، لنسترجع الشعور بالإنتماء إلى الوطن؟
تنقصنا الطمأنينة والأمان وأننا مواطنون محترَمون وذوو قيمة إنسانية. يحقّ لي الإحساس بالأمان لفترة قصيرة حتى يتوّضح مصير هذا البلد. عشنا في مواجهة دائمة ومحاولة تحمّل الصعاب من أجل البقاء في الوطن، لكننّي الآن متعبة، لذا يجب أن أتعلّم كيفية حماية نفسي. أنا سعيدة جداً باستقرار ولديّ خارجاً في ظلّ هذه الظروف، رغم أمنيتهما بالعودة إلى قريتهما، إنما هناك واقع حال، يمنعهما من ذلك، وهو عدم توافر الأمور البديهية أي الكهرباء والإنترنت ليتمكنّا من العمل. ننظر إلى توافر المحروقات والكهرباء والخبز والإنترنت والدواء على أنها إنجازات نهلّل لها، لكنها مجرّد حق من حقوق المواطنية.
تدمّر مكتبك الخاص وعيادة زوجك في منطقة الرميل بسبب إنفجار 4 آب، كيف تخطّيت هذه الخسارة؟
أنهينا منذ شهرين تقريباً التصليحات في المكتب والعيادة من دون أي دعم من قبل المؤسسات التي خصصت الأولوية للمنازل ولإيواء الناس، وهذا أمر بديهي ومنطقي. لم أصرّح يوماً عن خسارتنا المادية عبر “السوشيل ميديا” إحتراماً للضحايا وللأرواح التي ارتفعت بسبب هذا الإنفجار. لكنني علمت لاحقاً أن علم النفس يؤكد أحقيّة كل شخص بالإعلان عن وجعه. صحيح أن الخسارة مادية لكنّها جنى العمـــر، إضطررنا أن نسحب أموالنا كلها من المصرف للترميم والتصليح.
أي جرح تستذكرين من هذا الإنفجار؟
جرح استشهاد الأطفال والضحايا، هؤلاء هم ضحية إجرام. للأسف، أحد لا يحقق بهذه الجريمة لتحقيق العدالة. أفكّر بوالدة الشاب إيلي خوري وعائلة الطفلة ألكسندرا نجّار والطفل الإسترالي. هناك ضحايا كثيرون يدفعون ثمن الإنفجار معنوياً ومادياً ونفسياً حتى الآن إنما لم تسلّط الأضواء عليهم، مثل سائق التاكسي الذي تعرّفت إليه صدفة، خسر 3 أفراد من عائلته.
ما رأيك بكيفية إدارة ملف التحقيقات خصوصاً أن ثمة مسؤولين يرفضون المثول أمام القضاء؟
إنها خيبة أمل كبيرة جداً. لبنان مثلنا، يقع ضحية الحكومة وأمراء الحرب من كل الطوائف والأحزاب والأجناس. يتحمّل جميعهم مسؤولية الجرم الذي حصل في لبنان. أشبّه علاقتنا بهم، بحبّ إمرأة لرجل تكتشف بعد مرور سنوات من الشغف والعشق أنه يخونها ويسرق أموالها ولا يكترث لها، فيخيب أملها به، لأن تضحياتها ذهبت سدى. يجب إسترداد الوطن مجدداً وعدم الخضوع والإستسلام، لأنه ينزف مثلنا ويتوجّع، وهو بلد جميل بأرضه وطقسه وكرمه، يتميّز بسحر رائع، يجعل كل زائر أجنبي يتعلّق به.
هل تأملين خيراً في الوصول إلى الحقيقة وتحقيق العدالة؟
لا أتأمّل خيراً طالما هناك أسماء تذكّرني بالحرب وطالما رائحة عفن الماضي والدم لا تزال طاغية. عندما أرى رعيلاً من الشباب المثقفّ الخلوق والشهم والصادق الذي يحمل شهادات ويتميّز بكفاءات في الحكم، عندها أستبشر خيراً. يلمع شبابنا المغترب إناثاً وذكوراً في أعلى المراكز العالمية ما يؤكد أنه لا ينقصنا ذكاء أو علم أو عطاء.
كيف تقيّمين الدور الإعلامي حالياً؟
يجب أن يلعب الإعلام دوراً مهمّاً جداً لكنه ضُرب منذ زمن، منذ بدأوا ينتجون برامج متفلّتة من الأخلاق، ويستهزئون بالإنسان. فقدنا الأخلاقية في الإعلام، ولم نعد نبحث عن دوره للبناء، بل أصبح سبب عثرة، فهو يوجّه تفكير المشاهد نحو أمور سلبية ويقولبه خصوصاً عبر مقدّمات نشرات الأخبار وصياغة التقارير الإخبارية. إضافةً إلى عدم إحترام بعض الإعلاميين لضيوفه في البرامج. يجب أن يكون المشاهد واعياً لينتبه إلى ما يتلقاه ولكيفية بثّ أفكار وسموم هدّامة للمجتمع. برأيي، تبقى حرب تدمير الحجر مقبولة أمام تدمير البشر. للأسف، يساهم الإعلام حالياً في تدمير الفكر.
ما أهمية توافر برامج إنسانية إجتماعية لتقريب المسافات بين اللبنانيين؟
حزت شهادة في إختصاص “الوساطة” من جامعة اليسوعية، أي أنني وسيطة بين أشخاص متنازعين أو يعانون من سوء تفاهم. إضافةً إلى شهادة من جامعة الحكمة في الإصغاء الإيجابي ومرافقة العائلات، وذلك لأنني شعرت بأن المجتمع اللبناني موجوع جداً، يفتقد إلى الإصغاء وإلى احترام القيمة الإنسانية. نصنّف بعضنا البعض بحسب الدين والمذهب والإنتماء بتفكير بدائي من دون الإنتباه إلى أن الآخر يشبهنا وهو صورة عن إنسانية معيّنة وُجب إحترامها. عندما نبلغ مرحلة تقبّل أشخاص كفوئين في رئاسة الجمهورية والحكومة والمجلس النيابي، بغض النظر عن إنتمائهم الحزبي والديني، عندها ينهض لبنان مجدداً. تنقصنا المحبة والإصغاء الايجابي، وأن يكون التواصل بيننا إيجابياً، للأسف، بدلاً من أن نمدّ جسوراً توصلنا إلى بعضنا البعض، نبني جدراناً تبعدنا أكثر.