IMLebanon

المازوت الايراني… فترة السماح انتهت!

تراجع الاهتمام السياسي والحزبي كما الاعلامي بملف “المازوت الإيراني”، وانصرفت قناة “المنار” في مقدمة نشراتها اليومية الى ملفات اجتماعية وسياسية واقتصادية أخرى تحاكي هموم اللبنانيين عامة وخفت وهج العملية التي خرقت كل الاستحقاقات المعيشية والاجتماعية. فالتوقيت الذي خصص للقوافل كان دقيقا سمح بالتشويش الإيجابي على فشل الاجهزة الحكومية في مقاربة ملف المحروقات على أنواعها لصالح حزب الله والمحور الذي يمثله لا بل يقوده في لبنان والمنطقة، تحت ظل العمليات العسكرية التي قادها الحزب في الاقليم من سوريا والعراق الى اليمن وباقي المواقع التي امتدت اليها أذرعه العسكرية.

فقيادة حزب الله والحلفاء في لبنان والمنطقة يدركون الكثير من الحقائق التي لا تتناسب والحملات السياسية والاعلامية التي خيضت نتيجة التقنين الحاد بالمحروقات بسبب فقدان العملة الصعبة وانهيار سعر الليرة اللبنانية الدراماتيكي تزامنا مع فقدان اي مقومات لاستمرار مصرف لبنان وخزينة الدولة في توفير الدعم الذي تحتاجه عملية كبيرة من هذا النوع لم تعد تقف عند المشتقات النفطية فحسب، لتطال مختلف وجوه الحياة الاقتصادية والصحية والمعيشية. وهو امر يناقض الاسس التي بنيت عليها الحملة واعتبار ان ما حصل يشكل كسرا للحصار الأميركي المضروب على لبنان. وهو وهم لم يخرق عقول اللبنانيين ولا البيئة الحاضنة للحزب وانصاره بعدما بقيت هذه البيئة متعطشة لهذه المادة في ظل استمرار حرية حركة الملاحة البحرية، الى ان عد حصارا لم يكتشفه سوى مسؤولي حزب الله ومنظومته الاعلامية ومن واكب مواقفه دعما لتوجهات الى ان انقلبت الصورة بفعل المواقف والتصريحات الايرانية التي تحدثت عن كيفية ترتيب الصفقة ورفض اعتبارها هبة، لان ثمنها دفع من قبل رجال أعمال شيعة لبنانيين فاعادت رسم حدود جديدة للعملية التجارية البحتة بالنسبة إليهم وهو ما اعادها الى طبيعتها الحقيقة باعتبارها كسرا للحصار المضروب على إيران وخروج ما حصل من مشتقاتها عن لائحة العقوبات الأميركية المتشددة عليها، الى درجة احيت السيناريو الذي اعتمد طبقا في فنزويلا لمرحلة محدودة ولم يتكرر بعدما كشف عن بديل من الذهب تجاه ما وصل اليها من نفط وفيول ايراني.

فباعتراف الاقربين والابعدين، وبالنسبة الى العديد من المراقبين الديبلوماسيين والسياسيين، إن ما انتهت إليه عملية نقل حمولة الباخرتين الايرانيتين من المازوت الاحمر الى الاراضي اللبنانية عبر ميناء بانياس السوري ليس ثابتا انها انتقلت عبر الخطوط البحرية التقليدية المعتمدة سواء من ميناء بندر عباس الايراني او من اي مصفاة ايرانية اخرى، فالعديد من البواخر الإيرانية منتشرة بطريقة مموهة تتجاوز شبكات مراقبة الملاحة ورصد حركة السفن في المياه الدولية بحمولتها من المشتقات النفطية ويمكن الافادة منها عبر شبكات منظمة قادرة على اخفاء طريقة عملها غير القانونية في اكثر من منطقة في العالم. وهو امر لا غرابة فيه ويمكن ان يحصل في اي وقت.

والى هذه الظروف التي رافقت العملية، كشفت مصادر نفطية مطلعة لـ “المركزية”، عن ان الحزب ضَمِن الباخرة الثالثة من المحروقات وسط صعوبات باستقدام المزيد منها، وهي تتحدث عن فترة سماح انتهت بعدما استفادت من توقيت دقيق تراجعت فيه حدة المراقبة لحركة التجارة الإيرانية غير الشرعية بفعل متغيرات سياسية وديبلوماسية سمحت بالعملية دون إنكار الوجه الإنساني لها تجاه بلد يعاني هذا الشح من المشتقات النفطية ويهدد حياة الناس والمرضى في مستشفياته قبل ان تنطلق مشاريع الهبات الدولية والأممية التي بدأت تطل بقرنها تارة تحت عنوان إنقاذ السنة الدراسية او توفير الطاقة للمستشفيات عدا عن بداية تطبيق الاتفاق اللبناني – العراقي الذي يُسقط الاهمية التي اكتسبتها المبادرة الايرانية والتي سيزيد منها الإسراع بتوفير الغاز المصري لسوريا ولبنان بما يضمن مصالح اكبر وأكثر اهمية للنظام السوري الذي يحاول التكيف مع المتغيرات الاقليمية والدولية المقبلة لعلها تفك عزلته الخارجية.

ولذلك يجري الحديث عن الباخرة الثالثة والأخيرة من المسلسل الايراني القصير المدى كما قال أحد المطلعين على الكثير من الخفايا. وأضاف معتبرا ان فترة السماح انتهت، فالمازوت الذي يدخل الى لبنان معفى من الرسوم الجمركية والرسوم على القيمة المضافة ( TVA)، وستقف العملية عند هذا الحد، دون ان تبلغ مرحلة استيراد المشتقات النفطية الاخرى ولا سيما البنزين فهو يخضع لمعايير اخرى لا يمكن ان يسمح بتجاوزها وهو ما تفهمته دوائر الحزب القيادية كما تفهمت خطورة رسو البواخر على الشاطىء اللبناني، رغم “العروض السخية” التي تلقتها فعدتها افخاخا لا يقع فيها الحزب. هذا، عدا عن الأسباب الأخرى التي يمكن ان تهدد مصير الحكومة الجديدة والمحاولات الجارية للخروج من بعض المآزق التي تعيشها البلاد. فدخوله الحكومة الميقاتية بالحجم الذي لم يتحقق من قبل سيفرض العودة عن بعض الخطوات التي يمكن ان تهدد التضامن الحكومي الهش الموعود وان عليه ان يواكب باقي المشاريع التي تستعد لها على أكثر من صعيد.

وعليه، فان مصادر سياسية ومالية رأت ان الصمت الرسمي بما فيه من حزن على السيادة اللبنانية التي انتهكت، تجاه ما حصل لا يمكن اعتباره أكثر من غض نظر مؤقت. والتمادي بما جرى يمكن ان يقود الى حال من الفلتان بات يهدد حركة السوق التجارية عدا عن اعتبار ان كل ما قام به الحزب لا يساوي ما هدر من مليارات من الدولارات التي ذهبت هباء لصالح شبكات التهريب المنظم والمحمي بـ “فتاوى جهادية” الى سوريا. وأن التمادي يثير حساسية المراجع السورية عينها. فحصر مميزات حماية القوافل اللبنانية – الايرانية باللواء الرابع السوري يثير الريبة في الداخل السوري كما اللبناني. اذ هو الذي يرعى عمليات التهريب من لبنان الى سوريا وربما العكس ايضا لتسويق بعض المنتجات السورية وما جرى من ردات فعل مكتومة الى اليوم لم يعد يسمح بالمضي بالمهمة تجاه تغطية النقص الحاد في الأسواق السورية وتعطشها للمشتقات النفطية قبل ان ينقاد الى ما يجري في لبنان وان الحديث عن خطوط حمر لم يعد في الكواليس الديبلوماسية والسياسية وربما سيظهر الى العلن في وقت قريب.