لم تتأخّر حكومة العهد الأخيرة لتبيّن أنها نسخة مستنسخة عن تفليسة المنظومة وعقم ذهنيتها عن إنتاج الحلول وانتهاج مسار الإصلاح والإنقاذ، حتى بدت في مقاربات وزرائها أشبه بحكومة “دياب 2” عامرة بالتنظير والوعود بلا أجندة واضحة ولا فعالية عملية على أرض الواقع، فحافظت على خطاها في “جرّ” عربة التفاوض مع صندوق النقد بـ”حصانين” يتنازعان الاتجاهات في مقاربة الأرقام والخسائر، وفي سياسة “استجرار” الطاقة من جيوب المودعين عبر استنزاف مزيد من السلف لتمويل الكهرباء وتغطية الهدر والفساد المستشري في القطاع.
وإذا كان رئيس الجمهورية ميشال عون لم يعد يملك الكثير ليخسره بعدما نفد رصيد عهده وجيّر كل حساباته لمحور الممانعة على أمل بأن يعوم على عومه في المنطقة، فإنّ لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي حسبة أخرى في ميزان الربح والخسارة يراهن من خلالها على “كاسحة الألغام” الفرنسية لتعبيد الطريق أمامه باتجاه المملكة العربية السعودية تكريساً لشرعيته العربية والسنية في المعادلة اللبنانية. ولتحقيق هذه الغاية، لم يتأخر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في “دق باب” الرياض طلباً لمنح ميقاتي “فرصة” إثبات الجدية والعزم على إحداث التغيير المنشود في نمط العمل الحكومي وتنفيذ المشاريع الإصلاحية المطلوبة دولياً وعربياً، غير أنّ المعطيات الديبلوماسية المتواترة تشي بأنّ اتصال ماكرون بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان “لم يصل إلى خلاصة حاسمة بانتظار مزيد من التواصل بين الجانبين لبلورة صورة الجواب السعودي على المساعي الفرنسية، أقلّه لتأمين موعد لزيارة ميقاتي المملكة وشرح وجهة نظره وتوجهاته في الفترة المقبلة”.
وفي الغضون، تتجه الأنظار مطلع الأسبوع إلى مفاعيل جولة السفير بيار دوكان على المسؤولين في بيروت لحثهم على تسريع وتيرة الإنجاز الحكومي والشروع فوراً في إطلاق عجلة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لإثبات النية الجدية في مقاربة الحلول الإصلاحية والبنيوية للأزمة اللبنانية، بينما على المقلب الآخر تترقب مصادر حكومية أن يقوم وفد فرنسي رفيع برئاسة وزير الخارجية جان إيف لو دريان بزيارة قريبة إلى السعودية لاستكمال النقاش حول سبل تأمين الدعم للبنان، وسط مؤشرات أولية تفيد بأنّ الموقف السعودي لا يزال على حاله لجهة “رفض تأمين أي مظلة لحكومة تعيد تعويم الطبقة السياسية الفاسدة نفسها، كما بيّنت مجريات الأمور في عملية التحاصص الوزاري إبان تشكيلها”.
وبحسب المعطيات المتوافرة، فإنّ القيادة السعودية “لن تحيد عن موقفها المبدئي بعدم تقديم أي دعم مباشر أو غير مباشر لأي حكومة لبنانية ساقطة تحت تأثير “حزب الله” ترضخ لأجندة سياساته الداخلية والخارجية”، سيما وأنّ مسلسل الأحداث الأخيرة التي طغت على الساحة الداخلية أظهرت حكومة ميقاتي بهذه الصورة، سواءً في مقاربتها ملف استقدام “حزب الله” النفط الإيراني وإدخاله غصباً عن الدولة إلى الأراضي اللبنانية من دون أي رد فعل حكومي خارج نطاق إبداء العجز و”الأسف” لانتهاك السيادة، أو في عجزها عن إطلاق موقف يدين تهديد “حزب الله” العلني للمحقق العدلي في جريمة انفجار المرفأ القاضي طارق البيطار.
وبانتظار الجواب السعودي على مسألة استقباله من عدمه في الرياض، يعمل الرئيس ميقاتي على ملء الوقت الضائع بتفعيل قنوات اتصالاته الرديفة لتأمين أوسع شبكة أمان إقليمية ودولية لحكومته، وقد برز أمس تلقيه دعوة من الرئيس التركي رجب طيب اردوغان لزيارة أنقرة خلال اتصال هاتفي أجراه الأخير معه تأكيداً على استعداد بلاده للبحث في ما يمكن تقديمه من احتياجات ملحّة للبنان “في هذه الفترة الصعبة التي يمرّ بها”.
أما على الصعيد “الكهربائي”، فاسترعى الانتباه أمس إعلان شركة “كارباورشيب” وقف إمداد لبنان بالطاقة الكهربائية من باخرتيها “فاطمة غول سلطان” و”أورهان باي”، الراسيتين قبالة معملي الجية والذوق، بالتزامن مع انتهاء العقد الموقع بهذا الشأن، مؤكدةً عزمها على تنظيم عملية انسحاب باخرتيها تباعاً “في الوقت المناسب”.
وسرعان ما طرح الإعلان عن مغادرة الباخرتين التركيتين المياه اللبنانية علامات استفهام حول مدى تأثير هذا القرار على التغذية بالتيار الكهربائي في البلد، غير أنّ مصادر معنية بقطاع الكهرباء أكدت أنّ مفاعيل انسحاب شركة “كارباورشيب” من لبنان محدودة لأنّ “الشركة أساساً كانت متوقفة عن إمداد المعامل بالطاقة منذ قرابة الشهر نتيجة عدم توفر مادة الفيول”، مؤكدةً في ضوء ذلك أنّ “انتهاء العقد معها لن يكون له أي تأثير إضافي على التقنين بالتغذية الكهربائية، خصوصاً بعدما ساهم استقدام النفط العراقي واستبداله بالوقود والغاز القابلين للاستخدام في المعامل اللبنانية في تغطية العجز الحاصل في الإنتاج ما أتاح إبقاء نظام التقنين عند مستويات تجنب اللبنانيين العتمة الشاملة”.