كتبت ريتا بولس شهوان في نداء الوطن:
كيف سيعيش المعلّم في هذه الظروف المعيشية؟ سؤال استنكاري يجمع عليه عدد من الاساتذة. فحتى لو كان نطاق السكن ضمن المنطقة التي فيها المؤسسة التعليمية، التي اخذنا منها المتن، جبيل، كسروان نموذجاً، الا ان الوصول اليها يحتاج الى تنكة بنزين واكثر اسبوعياً إذ أن التعليم يومي، بالتالي ان رفع الدعم عن سعر التنكة لتكون 350 الف ليرة تصبح فاتورة الاستاذ مليوناً ونصف المليون ليرة لبنانية تقريباً شهرياً حصراً للبنزين. يتقاضى هذا الاستاذ مع شهادة ليسانس مليوناً ونصف المليون ليرة فقط، وبدل نقل 24 ألفاً، ولن يؤمن له كل هذا المبلغ الا 4 تنكات شهرياً.
يسرد الاستاذ جاك وهو من سكان جبيل كيف يصل الى مؤسسته “بالزّور” في كسروان. يتقاضى 25 الف ليرة التي زيدت الى 35 الفاً في الساعة نسبة لسعر الصرف المعتمد في الدولة، مع اعمال اخرى لـ”يُسيسِر” نفسه مما يعني عملياً لا يعتاش من مهنة التعليم وحدها. هذا المبلغ بنظره أفضل من البقاء في المنزل والاحساس انه يعلّق شهاداته على الحائط، غير أن الزيادة الضئيلة هذه التي لم تكف عدداً من الاساتذة في المؤسسة نفسها في كسروان دفعتهم لاخذ قرار التعطيل القسري والاجتماع مع الادارة المصرة على عدم التعديل في الرواتب مما دفع هدى الى الاستقالة فهي من سكان حريصا والمدرسة في جونية ففضلت العمل من المنزل عن بعد بمهنة المحاسبة، مستغنية عن مصاريف السيارة بذلك، وهي فرصة لا تريد ان تفوّتها خصوصاً ان اساتذة التعليم الخاص لم يحصلوا على حقوقهم بالمقارنة مع اساتذة المدارس الرسمية الذين تقاضوا كل مقتضيات القانون. وتخبر كيف انه وفي هذه المؤسسة بالذات هناك تعثّر دائم لتسديد الرواتب مما يعيقهم عن تأمين المستلزمات الطبية والمعيشية. المسألة تتكرّر في مدارس متعدّدة في المتن، فحتى الذين يحصلون على حقوقهم كاملة كـ”أدونيس” بالكاد يستطيعون تأمين قوت اولادهم فيعمل في الترجمة ليكون بذلك يومه حافلاً فيصل الى صفه في اليوم التالي خائر القوى الأمر الذي يمنعه من التركيز، لكن بنظره هذه ظروف المهنة في هذا البلد.
تردّي وضع الاساتذة ليس آنياً
“أعباء” بدل النقل ليست المشكلة الوحيدة التي يعاني منها الاستاذ فهناك مستويات من المشكلات وفق رئيس فرع جبل لبنان في نقابة المعلمين جورج ضاهر فيختصرها كلها بالـ”مادية” وتتعلق بالرواتب وكان من المفترض بالقانون 46 الذي صدر عام 2017 أن يحلّ معظمها حينها ولم ينفّذ وتراكمت الاسباب بحسب تعبيره وظروف البلد التي لم تساعد في التحرك نقابياً حتى حصل الانفجار الاجتماعي الاقتصادي فبات المعلم يقترض فقط ليصل الى المدرسة من دون ان يعيش بكرامة، علماً انه ليس عاطلاً عن العلم. “المعلم هو انسان مغلوب على أمره” يُهَمهِم ضاهر فحتى لو أراد التظاهر والاعتراض يظلم اذ أن مواد تنظيم المدارس الخاصة اي المادة 29 تعطي لمدير المدرسة مجال الصرف على اهوائه مخالفاً المادة نفسها ان تحرك أي استاذ نقابياً ليخيف زملاءه.
بسبب تردي الاوضاع المعيشية اليوم وعدم التزام عدد كبير من المدارس في المنطقة بتطبيق القانون 46 اعلنت النقابة الاضراب عن الدخول الى المدارس لكن من تحققت مطالبه، اي من حصل على سلسلة الرتب والرواتب، الدرجات الست والمفعول الرجعي، كما غلاء المعيشة اضافة الى بدل النقل بحدود المئة دولار طازجة، لم يلتزم. يأخذ النقابي العتيق بعين الاعتبار مصلحة الاهالي فلا يغالي بطلب ما يتخطى حق الاساتذة كي لا تزاد النسب على الاقساط واصفاً ما يحصل بالحلقة المفرغة اذ ان الراحة مطلب الجميع.
يقدّر ضاهر وضع بعض المدارس الكاثوليكية التي تدرس وضعها لتدفع حق المعلمين نسبة للقانون 46 التي قد تصل نسبته الى اكثر من مليوني ليرة شهرياً مشيراً الى ان المدارس اصلاً حصدت هذه المبالغ مسبقاً من الاهالي لكن بعضها تمنّع عن اعطائها فحصل المعلم “من الجمل اذنه”، ومن تلك المدارس من أطلق وعوداً قد تثمر قريباً لافتاً الى تفهم بعض المدارس وضع الاستاذ لكن تلك لا حول ولا قوة لها مادياً ومع ذلك تُسأل هذه المدارس “اين ذهبت الاموال التي تقاضوها من الاهالي كزودات او هبات من دول مانحة” مطالباً الدولة التدخل أقله بمد يد العون، ان استحالت المساءلة عن مصير هذه الاموال. ذكّر في هذا الاطار ضاهر بمشروع القانون الذي تم التقدم به الى مجلس النواب منذ ثلاث سنوات باقتطاع نسبة خمسمئة مليون ليرة سنوياً للمدارس والتي تفسح المجال لتلك المتعثرة الدفع للاستاذة.
الوعود الكثيرة بالدفع لا تغري عضو المجلس التنفيذي في نقابة المعلمين انطوان مدور (متن) فلا شيء رسمياً في التعليم الخاص فهناك تراوح بين عدم دفع الست درجات وعدم تطبيق القانون 46 الذي سيروّح عن نفس الاساتذة خصوصاً ان هذا القانون ينظر بغلاء المعيشة بنسبة 300 الف، التي ارتفعت عن وقت اصداره مما سيجعلها معركة مفتوحة لتصحيح الاجور نسبة لقانون جديد سيطرح قريباً، ومقاطعة العام الدراسي للمدارس التي لم تطبق القانون 46 وقد تحتاج الى حركة قانونية ودعاوى عن يد القطاع التعليمي، الامر الذي يخيف المعلمين من حركة انتقامية تطال لقمة عيشهم.
هكذا وجد عضو مجلس تنفيذي شربل دميان (جبيل) أن تمنّع اتحاد المؤسسات الخاصة عن باقي القانون جعل من كل النتائج المالية الايجابية بلا قيمة مقارنة بالغلاء الفاحش اليوم رافضاً منطق “الشحادة” المفروض على الاستاذ مع الادارات فالقانون هذا حق للاستاذ ومن واجب المدارس الجدولة، لتطبيقه مضيئاً على ان بعض المدارس لا تريده من اساسه فتزيد بنسبة ثلاثين بالمئة على راتب الاستاذ خارجه، متأملاً بسلسلة رتب ورواتب جديدة تشمل البلد ككل.
هل من طبّق القانون 46 قادر على زيادة الرواتب؟
مدرسة يسوع ومريم (متن)، من المدارس القليلة التي طبقت القانون 46 كما هو بحذافيره وتدفع تدريجياً المفعول الرجعي. يفكر مدير المدرسة ابونا موسى الحلو متيقناً عند اثارة المشاكل المادية التي يعاني منها فريق العمل من الاساتذة ويربطها بمشاكل البلد بسبب تدني سعر الصرف، واصفاً حال هذا الاستاذ، الذي بعد خدمة سنوات اصبح راتبه يساوي مئة دولار وعليه ان يتدبر امره، بالتعيس. يشدد الاب على مطلب تصحيح الاجور الا انه بنظره يجب تثبيت سعر صرف الدولار لهذه الخطوة التي تستحيل على الدولة بسبب العجز في الخزينة في هذه المرحلة. عند التعمق في احتمال رفع الراتب بالزودة على الاقساط يفند ميزانية المدرسة بعد اضافة 30% على الاقساط مع “نداء الوطن” بشفافية مقتطعاً 80% من الاقساط ان تم استيفاؤها كلها الى الرواتب و 20% كلفة تشغيلية، وهذه بالدولار الطازج وبسببها تم رفع الاقساط بنفس الروحية. فتح حسابات المصارف معنا وتلك تحتجز اموال المدرسة وتشترط ان تودع الادارة المبالغ طازجة قبل فترة من دفع الرواتب مما يمكن ان تفعله المدرسة وحدها ان كانت تملك المبلغ او دفع 15% كمبلغ اضافي. هكذا المدارس برأيه امام حل من اثنين، الاكمال او التوقف غير ان فكرة البقاء في المنزل بدون علم مرفوضة.
مع كل هذا الهم الثقيل على كاهل الادارات سألت “نداء الوطن” أمين عام المدارس الكاثوليكية الاب يوسف نصر الذي شرح اهمية الاتكال على تدخل الدولة، فتخصص جزءاً من اموال صندوق النقد الدولي للقطاع التربوي ككل والخاص الذي يعلم 70% من طلاب لبنان او مساعدات خارجية. لافتاً الى انه لا ضرورة لتحفيز الدولة للاهتمام بمواطنيها فهي يجب ان تبادر لايجاد حلول للمشاكل التي يعاني منها الشعب فمن واجبها الخدمة عبر افراد لهم الاستعداد بالاهتمام بالشأن العام ولديهم رغبة بذلك فيحلون قضايا متعلقة بالمواطنين. منبهاً من انهيار القطاع التربوي الذي لا بديل عنه.
واما بشأن الاساتذة وتأمين معيشة تتخطى الوقود، اشار الى ان على الاهل التضحية وتحلي الاساتذة بالقناعة مع جهد المدرسة فلا حلول سحرية. وتلي تلك المعادلة مساعدات خارجية ليكون من تكامل ليعود الوضع سوياً.
وعن تطبيق القانون 46 في المدارس الكاثوليكية كما هو بكل تفاصيله، اكد انه لا يمكن التعامل مع المدارس الكاثوليكية التي هي بالمئات كانها جسد واحد، فلكل مدرسة قدراتها واستراتيجيتها الخاصة الا ان العامل المشترك هو دعم الاستاذ فلا يمكن ان يترك وحيداً.
وبالعودة الى الاستاذ الفرد، الموزع على كل المناطق، يشترك بهم واحد، هل ستدعم الدولة “وقوده” ليصل الى صفه، أو ستفضل دعم الكهرباء للتعلم عن بعد. مسألة برسم سياسات الحكومة الجديدة.