جاء في نداء الوطن:
في الجوهر تركزت المباحثات الفرنسية – السعودية في الرياض على الملفات “ذات الاهتمام المشترك”، ولأنّ الملف اللبناني لم يعد على سلّم اهتمامات المملكة وأولوياتها، بقي الاهتمام بلبنان فرنسياً “أحادياً” كما كان قبل اجتماع وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان مع نظيره السعودي فيصل بن فرحان، وبالتالي لن يكون أمام باريس سوى “المحاولة مرة أخرى” عساها تتمكن من إحداث كوة في جدار الموقف السعودي المتصلب إزاء الأكثرية الحاكمة في لبنان، وهو موقف ما زال ينسحب على النظرة إلى حكومة نجيب ميقاتي باعتبارها ليست سوى “توليفة منقّحة” لإفرازات هذه الأكثرية.
وفي الوقت الضائع، لم يجد لودريان سوى استعجال حكومة ميقاتي لإثبات جديتها “من دون تأخير” في الميدان العملي و”المباشرة فوراً بإجراء الإصلاحات” المرتقبة، كما شدد في مقابلة مع قناة “الحدث” ، مؤكداً الحاجة الملحّة لتفعيل هذه “الإجراءات المعروفة والتي ينتظرها الجميع، وفي مقدمها الخدمات العامة الأساسية بدءاً بالكهرباء”.
وللمفارقة أتى الموقف الفرنسي بالتزامن مع إعلان مؤسسة كهرباء لبنان بلوغ قدراتها الانتاجية أدنى مستوياتها، رافعةً المسؤولية عن كاهلها على قاعدة “أللهم إني بلغت” ببيان نبهت فيه إلى أنه “بات من شبه المستحيل المحافظة على ثبات واستقرار الشبكة الكهربائية، ما ينذر بانهيارها الشامل في أي لحظة وعدم امكان بنائها مجدداً”.
ومن العتمة الشاملة إلى تضاؤل بصيص الأمل بانتشال البلد من أزمته تحت وطأة استمرار “حزب الله” في استخدام لبنان مطيّة لتصفية حسابات إقليمية مع المجتمعين الدولي والعربي، ومنصة لإطلاق التهديد والوعيد شرقاً وغرباً بشكل لم يترك للبنانيين “صديقاً وقت الضيق”. وجديد تهديداته تجسد بتوعّد رئيس مجلسه التنفيذي السيّد هاشم صفي الدين باجتثاث “الأميركيين” من الدولة اللبنانية، مشيراً إلى أنّ “الحزب” لا يزال متريثاً في الإقدام على “معركة إخراج الولايات المتحدة من أجهزة الدولة (….) لكن إذا جاء اليوم المناسب وخضنا هذه المعركة سيشاهد اللبنانيون شيئاً آخر”.
وإذ تباهى صفي الدين بأنّ “حزب الله” أصبح “جزءاً أساسياً من المعادلة الإقليمية”، وجاهر بأنّ “موضوع دخول صهاريج المازوت إلى لبنان ليس فقط من أجل المازوت، وإنما هو أمر يتعلق بـ(حرب) البحار والمحيطات (بين إيران وإسرائيل)”، مشدداً على أنّ “الحزب” سيعمد “عاجلاً أم آجلاً إلى استثمار الإنجازات (الإقليمية) لأنّ لبنان ليس لديه حل وعليه أن يتموضع عندما يتغيّر وجه المنطقة”… برز على الضفة السيادية المقابلة كلام عالي السقف في مواجهة مسلسل استباحة الشرعية والحدود والقضاء في البلد، فقال البطريرك بشارة الراعي في عظة الأحد: “لا نستطيع أن ندعي الحفاظ على السيادة وندع المعابر الحدودية مشرّعة، والمواقف الغريبة المسيئة إلى السيادة من دون رد، كما لا نستطيع تأييد الشرعية والقبول بتعددية السلاح وازدراء المؤسسات وبإنشاء جيش تابع لدولة أجنبية على حد اعتراف أحد كبار المسؤولين في تلك الدولة”، في إشارة واضحة إلى تصريحات المسؤولين الإيرانيين الذي فاخروا في أكثر من مناسبة بكون “حزب الله” هو ذراع عسكري لطهران في لبنان.
أما الحكومة الجديدة، فدعاها الراعي إلى أن “تصد القوى التي تسعى إلى الهيمنة على مسارها وقراراتها”، مديناً في الوقت عينه صمت هذه الحكومة إزاء ما تعرض له المحقق العدلي في جريمة انفجار المرفأ القاضي طارق البيطار من تهديدات علنية، على اعتبار أن عدم جواز تدخل الحكومة في شؤون القضاء لا يتعارض مع “واجبها في التدخل لوقف كل تدخل في شؤون القضاء”.
وحذر البطريرك الماروني في هذا المجال من أنّ “التدخلات التي يتعرض لها المحقق العدلي من شأنها أن تؤثر على مواقف الدول الصديقة تجاه لبنان بالإضافة إلى أنها تضعف هيبة القضاء عندنا”، مناشداً في المقابل “المرجعيات القضائية” بأن تبادر إلى “التحرك بجرأة، وتدافع عن ذاتها والقضاة وتحصّن الجسم القضائي ضد أي تدخل”.