كتب منير الربيع في الجريدة الكويتية:
لم تُبد الحكومة اللبنانية في جلستها الأولى الأسبوع الماضي الاهتمام اللازم بالتطورات المتعلقة بمسار التحقيقات في تفجير مرفأ بيروت، وكأن الملف ليس من اختصاصها.
هذا التهرب يشير إلى انقسام قائم لا يريد المسؤولون اللبنانيون إبرازه أو مواجهته بصراحة ووضوح وجرأة لكشف ملابسات أحد أكبر التفجيرات في العالم.
وقد فضّلت الحكومة الدخول في صراعات المحاصصة المستمرة حول تشكيل وفد التفاوض مع صندوق النقد، والغوص في سياسة التسليفات المستمرة منذ عهود، ولم تشأ تناولاً مفصلاً لما آلت إليه تطورات التحقيق بعد تجميده بسبب الدعوى التي رُفعت بحق المحقق العدلي طارق البيطار، وتدعو إلى كفّ يده عن التحقيقات بهذا الملف.
لدى تناول ملف مرفأ بيروت، لا بدّ من التعاطي مع كثير من النقاط والملفات، بعضها يمكن ملاحقته منطقياً، وبعضها الآخر يسير بمنعرجات منافية بشكل كامل للعقل، يتلاقى فيها الخصوم، وتتقاطع فيها مصالح قوى متناقضة، في حين يعمّ الصمت المريب لدى قوى أخرى.
ولا بدّ من تجزئة هذه الملفات، فهناك الجانب السياسي، حيث تبرز المعطيات التي تشير إلى الدافع السياسي وراء عملية التفجير، والعوامل السياسية التي رافقت مرحلة ما بعد التفجير وانطلاق التحقيق، وصولاً إلى اليوم.
وهناك الجانب القضائي الذي لا يزال يتعرّض لكمائن سياسية متعددة؛ داخلية وخارجية.
ولم تكن المسارعة الدولية لمساعدة لبنان بعد وقوع التفجير إلا دليلا على اهتمام استثنائي بما جرى، سواء بحثاً عن معلومات أو طمعاً بالحصول على استثمارات إعادة الإعمار، لكن كل هذه كانت تتقاطع عن نقطة أساسية توافقت عليها جهات متعددة داخل لبنان وخارجه، وهي عدم الكشف عن أي معلومات أو معطيات أو صور التقطتها أقمار اصطناعية لكشف حقيقة ما حصل.
وتبدي بعض المصادر اللبنانية تخوفاً من أن يكون تقاطع المصالح دفع القوى المتعارضة دولياً إلى التعمية على حقيقة التفجير.
وقد استبعد التحقيق الدولي بشكل كامل، حتى بعض الجهات الداخلية التي طالبت به، كانت تقوم بذلك من باب رفع العتب، ومن اتخاذ أي إجراء عملي مثل تقديم اقتراح قانون.
أما خارجياً، فتؤكده مصادر دبلوماسية لـ “الجريدة”، بأنه لا حماسة دولية لإجراء تحقيق دولي، وعملياً لم تدفع أي قوة دولية أو إقليمية باتجاه ذلك.
وبعد إطاحة قاضي التحقيق فادي صوان، بذريعة أنه يمتلك منزلاً متضرراً من جراء الانفجار، ولا يجوز له الاستمرار في متابعة القضية، وارتكابه خطأ قانونياً، يتكرر السيناريو مع القاضي طارق البيطار، بذرائع مشابهة، إلّا أن جوهر العرقلة يبدو سياسياً، ويزكيه التسريب الذي تم حول تهديد مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا للبيطار، ما يشير إلى أنه لا رغبة لدى الحزب في الاستمرار بالتحقيقات.
وفي خلاصة سياسية، يبدو أنه لا أحد يريد للتحقيقات في تفجير مرفأ بيروت أن تصل إلى الحقيقة. وبدل الاستماع الى المواقف الدولية، لا سيما الفرنسية والأميركية التي تشير إلى ضرورة استكمال التحقيق وكشف الحقيقة، يتذرع المسؤولون اللبنانيون بأن باريس لم تمنح لبنان ما لديها من صور التقطتها أقمار اصطناعية في يوم التفجير.
عملياً، جمّد عمل البيطار لمدة شهر، بانتظار قرار المحكمة إذا كانت ستنظر في الدعوى المرفوعة ضده أم لا، وعلى الأرجح سترد بعدم الاختصاص، وبالتالي يعاود البيطار استكمال تحقيقاته، مع فارق أن الحصانة ستعود إلى النواب مع انعقاد العقد العادي للمجلس النيابي.
فالبيطار عندما حدد مواعيد لاستدعائهم اختار وقتاً يكون فيه المجلس النيابي في حالة عدم انعقاد، فتسقط الحصانات، وهكذا ستكون مهلة الشهر استراحة لتعود الحصانات إلى النواب، وبعدها يستعيد البيطار عمله.
في المقابل، تكشف المعلومات أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يسعى للوصول إلى صيغة يوافق عليها الجميع لاستكمال البيطار تحقيقاته، وكي لا تتم تنحيته، فتصبح فضيحة كبرى ثانية تنفجر في وجه حكومته، بعد فضيحة تنحية القاضي صوان.