يبدو انه ممنوع على مؤسسة مرموقة في هذه الدولة المستباحة ان تنجز في ملف وطني سيادي يعني كل لبناني في الصميم، وهو ترسيم الحدود البحرية جنوباً وشمالاً بما يحفظ الثروات الوطنية التي هي ملك الاجيال الصاعدة والقادمة.
والاخطر ان الانسجام والتناغم القائم في وفد التفاوض الى المفاوضات غير المباشرة برعاية الامم المتحدة وبوساطة مسهلة من الولايات المتحدة الاميركية أثار حفيظة الذين سبق وساوموا على هذا الملف الحساس والذي يمسّ الأمن القومي اللبناني، ولانهم يبرعون في تخسير لبنان واللبنانيين من خلال البيع والشراء لغايات شخصية، بدأوا يعدّون العدّة لاغتنام الفرصة لفرط هذا الوفد وإدخال عناصر جديدة عليه تنسجم مع السياق الذي اعتمدوه منذ العام 2007 وصولاً الى صدور المرسوم 6433 عام 2011 بعدما اخفى التقنيون عن المستوى السياسي التقرير البريطاني الذي يحدّد الخطّ 29 حدوداً بحرية جنوبية وقدّموا الخط 23، ليتبيّن لاحقاً ان من عمل في هذا الاتجاه حاز مكاسب شخصية مالية ووظيفية له ولابنائه.
والجديد راهناً، هو رفض السلطة السياسية التجاوب مع ما طرحه وفد التفاوض لتحصين الموقف اللبناني على طاولة المفاوضات في الناقورة، اي الاستفادة من البند الثالث من المرسوم 6433 الذي فتح الباب امام تعديل المرسوم عند ثبوت اي جديد، والانتقال الى الخط 29 كسقف للتفاوض وصولاً الى خط وسط يحفظ الحقوق اللبنانية. والاخطر هو العمل على الاطاحة بمرتكزات الوفد برفض التمديد لرئيسه العميد بسام ياسين والتغيير في تركيبة الوفد ليأخذ الطابع المدني من خلال تكليف شخصية مدنية ربما تتبع الى وزارة الخارجية رئاسة الوفد، الامر الذي قد يدفع الجيش للانسحاب من عداد الوفد، لان اي تغيير في هذا الاتجاه يعني ان السلطة السياسية تريد الذهاب الى ترسيخ ما نص عليه المرسوم 6433 سقف تفاوض هو الخط 23 الذي لا يوصل الا الى خط هوف اي خسارة حقل قانا المقابل لحقل كاريش، ومنح العدو الاسرائيلي مليارات الدولارات نتيجة المخزون الغازي والنفطي المتوقع في هذه البقعة.
وفي هذا الاطار، حذّر مصدر رفيع المستوى من “تذرّع المستوى السياسي اللبناني بضغط الازمة الاقتصادية والمالية وبالحاجة لبدء الشركات العالمية التنقيب عن النفط والغاز، للذهاب الى ابرام اتفاق حول الحدود البحرية الجنوبية، يحرم لبنان مليارات الدولارات، الامر الذي سينسحب حكماً على ترسيم الحدود البحرية الشمالية مع سوريا، لان ما سينطبق على الخط الجنوبي سينطبق ايضاً على الخط الشمالي”.
وقال المصدر “اذا كانت القوى السياسية التي أمسكت الملف منذ العام 2007 اخطأت او ضلّلت نتيجة إخفاء التقرير البريطاني عنها، فان امكانية التصحيح اكثر من متاحة، شرط ابعاد الحسابات الشخصية والمصلحية عن هذا الملف الخطير والحساس، ووضعه في اطاره السيادي والوطني الخالص، وترك الوفد يخوض عملية النزال التفاوضي بجدارة مستحقة، شرط رفده بسحب المرسوم 6433 وتصحيحه الامر الذي يمكّن الوفد المفاوض من حماية الحقوق اللبنانية”.
واعتبر المصدر “ان عدم التمديد للعميد ياسين كونه الممسك بكل تفاصيل ملف التفاوض، واستبداله بشخصية مدنية يطرح عشرات علامات الاستفهام حول هذا الامر، لانه يعتبر خضوعاً للمطلب الاسرائيلي السابق الذي أصرّ على ان يكون الوفد اللبناني من مدنيين وليس برئاسة عسكري”.
وسأل المصدر “لمصلحة من اضعاف الموقف اللبناني وتشتيت الوفد اللبناني المفاوض من خلال تغيير رئيسه وتالياً “تطفيش” العسكري الآخر العقيد مازن بصبوص الذي يشكّل مع العميد ياسين امهر ثنائي مفاوض ومدافع عن الحق اللبناني؟ وهل الحملات على المحقق العدلي القاضي طارق البيطار وإشغال الرأي العام بملف انفجار مرفأ بيروت المفترض ان يسير بسهولة ويسر، الهدف منها صرف الانظار عن عملية تنازل خطيرة ترتبط بالحدود الجنوبية لتمريرها من دون ضجيج؟”.
وأشار المصدر الى ان “الطبقة السياسية اذا كانت تريد إتمام ملفّ التفاوض حول الحدود البحرية كيفما اتفق والتستر بعباءة المؤسسة العسكرية، حينها من الافضل ان يخرج الجيش كلياً من الوفد وترك القوى السياسية في مواجهة الحقيقة والرأي العام، لانه ليس دور مؤسسة الوطن التغطية على ما يمس بسيادة الوطن”.