كتبت زيزي إسطفان في “نداء الوطن”:
إنه 11 أيلول من جديد في العالم الرقمي، كارثة ضربت إحدى أقوى ركائزه وزعزعت أركانه. العالم مذهول، مرعوب وغير مصدّق ما يحصل. فيسبوك، واتساب، مسنجر وإنستغرام توقفت لأكثر من ست ساعات مكدسة الخسائر المالية وتاركة روّاد التواصل في العالم أجمع يتخبّطون في عتمة تامة.
أسباب توقف فيسبوك لم تكشف بعد بشكل واضح لا يدعو للبس والتقنيون كما الباحثون لا بدّ سيجدون مصادرها لاحقاً، لكن يبقى السؤال الأهم: من احتضن يتامى فيسبوك في غيابه وكيف تحمّل رواده ورواد مواقعه الرديفة هذا الرحيل المفاجئ؟ كيف عاش الناس ست ساعات بلا فيسبوك وإنستغرام ومن دون واتساب؟؟؟
هل هو هجوم سيبراني إرهابي أصاب أميركا عبر أحد عمالقتها، أم هو اختراق لأكبر شركة تكنولوجيا في العالم، أم ربما عمل مقصود من قبل زوكربرغ للفلفة فضيحة ما بدأت تلوح مؤشراتها في الأفق؟ الأسئلة كثيرة وأجوبتها يكشفها المختصون كما يكشفون تداعيات هذه “الحادثة” التي ترقى الى مصاف “كارثة” على أرباح شركة فيسبوك ودورها كإحدى أكبر الشركات في العالم وتحكمها الحصري في عالم التواصل، كما يكشفون كيف تحولت هذه المصائب التي ألمّت بـ”فيسبوك” وتوابعه الى فوائد عند سواها من شركات التواصل ولا سيما “تويتر”.
توقُّف فيسبوك عن العمل يشرح أسبابه لـ”نداء الوطن” المستشار في أمن المعلومات والتحوّل الرقمي رولان أبي نجم قائلاً: “العطل الذي طرأ على فيسبوك أوّل من أمس تمّ تحديد ماهيته لكن لم يعرف السبب الذي أدى إليه بعد. فالعطل أصاب ما يعرف بـ DNS أي الخوادم التي تستخدمها شركة فيسبوك ليتم عبرها تحويل المستخدمين الى مواقع أخرى. لكن ما لم يعرف هي الأسباب التي أدت الى هذا العطل: هل كانت عملية اختراق، ام مشاكل تسبب بها المهندسون الذين كانوا يجرون تعديلات داخلية؟ التكهنات كثيرة لكن حتى اللحظة لم يصدر بيان رسمي من الشركة”. ويضيف ابي نجم: “حصلت سابقاً مشاكل في شركة فيسبوك لكنها المرة الأولى التي تتوقف فيها المنصات التابعة للشركة وهي إنستغرام، مسنجر وواتساب حوالى ست ساعات، كذلك يعتبر توقيت هذا التوقف مفاجئاً وغريباً إذ انه تمّ بعد اتهامات مباشرة لشركة فيسبوك أوردتها إحدى الموظفات السابقات في الشركة وتدعى فرانسيس هوغن، يوم الأحد في الثالث من تشرين الأول وأعربت فيها عن “إعطاء فيسبوك الأولوية للمحتوى المثير للانقسام على السلامة، وذلك لجني أرباح أعلى”. وحين توقف الموقع كانت إحدى المسؤولات فيه تنفي هذه الإدعاءات.
ووفق موقع MEAWW كانت هوغن قد سربت مجموعة من وثائق فيسبوك الداخلية إلى Wall Street Journal، ما أدى إلى نشر سلسلة من التقارير الحادة الشهر الماضي. كما أرسلت المستندات إلى المشرعين وقدمت طلباً لحماية الأشخاص الذين يبلغون عن المخالفات لدى لجنة الأوراق المالية والبورصات، وحدث الانقطاع يوم الاثنين في الرابع من تشرين الأول بعد الظهر، أي بعد يوم واحد من مقابلة فرانسيس هوغن التي ظهرت في برنامج “60 دقيقة”. لم يستغرق المحققون على Twitter وقتاً في ربط الحادثين وفق الموقع، واتهموا مارك زوكربرغ الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك بإغلاق منصات التواصل الاجتماعي “عمداً” لتجنب “الفضيحة”.
فضائح، خسائر ودعاوى
من جهته يشرح أبي نجم انعكاسات ما حصل قائلاً إن حوالى 3 مليارات شخص في العالم يستخدمون منصات شركة فيسبوك اي ما يقارب نصف البشرية، من هنا يمكن تقدير حجم الكارثة التي حلت. فالخسائر المالية التي أصابت الشركة بدأت مع انتشار الفضيحة سابقاً ولكنها ازدادت بشكل هائل مع توقف فيسبوك، حيث بلغت أكثر من 230 مليار دولار كما انعكس التوقف على شركات التكنولوجيا الأخرى بشكل مباشر. وقد أوردت الشرق بزنس تكنولوجي جدولاً بانخفاض القيم السوقية لشركات التكنولوجيا الكبرى في تداولات اليوم بلغ 47 ملياراً لفيسبوك، 58 ملياراً لشركة آبل، 37 ملياراً لشركة غوغل، 47 ملياراً لأمازون و45 ملياراً لمايكروسوفت.
وبعيداً من الخسائر المالية، فإن شركة فيسبوك تخضع لضغوط هائلة من قبل الإدارة الأميركية التي ترى في تحكّمها الحصري في هذا العدد الهائل من المستخدمين، خطراً على واقع الإنترنت والتواصل والدليل ما حصل بالأمس. وقد كان البنتاغون والبيت الأبيض من أكثر المهتمين بما حدث، وقد سبق للحكومة الأميركية السعي الى كسر حصرية شركة فيسبوك التي باتت أقوى من كل الدول وفصل الشركات التابعة لها عنها وعن بعضها البعض. وفي الواقع وحسب موقع Meaww، تواجه فيسبوك دعوى ضد الاحتكار رفعتها لجنة التجارة الفدرالية التي تسعى إلى إجبار عملاق وسائل التواصل الاجتماعي على إعادة هيكلة أو بيع الأصول، بما في ذلك إنستغرام وواتساب بسبب مخاوف من أن “شركة فيسبوك تحتكر السلطة في تزويد المستخدمين بخدمات التواصل على الشبكات الاجتماعية الشخصية في الولايات المتحدة، وتحتفظ بهذه القوة بشكل مستمر منذ عام 2011”.
في اتصال لنا مع مسؤولة تعمل في شركة غوغل في إيرلندا أفادتنا أن سبب توقف فيسبوك يبدو حتى الآن تقنياً ناجماً عن أسباب هندسية وليس مفتعلاً، إذ كان مهندسون من داخل الشركة يجرون تعديلات على بعض الأنظمة حين حدث التوقف. ولا يمكن تقييم نتائج ما حصل وانعكاس ذلك على شركة فيسبوك وغيرها من الشركات قبل بضعة أيام، ولكن ما يمكن قوله إن العمل على تقوية أنظمة الحماية والأمان قد بدأ بالفعل لسد كل الثغرات المحتملة، وما يمكن تأكيده هو أنه مع كل دقيقة توقف تخسر الشركة ما يقارب 160 ألف دولار من مردود الإعلانات فيها، هي التي تعتمد على الإعلانات كمصدر أساسي للربح.
“بكل عرس إلو قرص”
لبنان الغارق في أزماته حتى التخمة لم تكن تنقصه نكبة جديدة، هو الذي ثار أبناؤه ونزلوا بمئات الألوف الى الشارع حين حاولت السلطة المسّ بمجانية “واتسابه”، وجد نفسه فجأة أشد انعزالاً مقطوعاً عن العالم بشكل شبه كلي وغارقاً في عتمة سيبرانية تضاف الى عتمته الكهربائية. لم يفهم اللبنانيون في البدء ما يجري، كانوا يضربون أصابعهم على هواتفهم لعملية “ريفرش” سريعة تعيد الأمور الى نصابها؛ ثم وبعد حالة الإنكار التي اعتادوا عليها وحين تبين ان فيسبوك وإنستغرام وواتساب متوقفة سادت حالة ذعر حقيقية بين اللبنانيين، ظناً منهم أن الأسوأ قد حصل وتوقف الإنترنت في لبنان.
خبير مواقع التواصل الاجتماعي بشير التغريني يلخص ما حصل في لبنان ليلة الإثنين قائلاً: عمت حالة من الذعر أوساط اللبنانيين حين تأكدوا أن فيسبوك قد توقف. خافوا من فقدانه هم الذين باتوا مدمنين على مواقع التواصل الاجتماعي ويعانون مثل غيرهم بما يعرف بـ FOMO او Fear of missing out، اي الخوف من أن يكونوا خارج التواصل ويفتقدوا بعضاً مما يجري من حولهم. سريعاً بدأ الكثير من المستخدمين يلجأون الى تنزيل تطبيقات أخرى لتكون البديل عن فيسبوك وإنستغرام وواتساب اثناء توقفها. لكن يؤكد التغريني أنه مع عودة هذه التطبيقات الى العمل سيتخلى الكل عن التطبيقات الجديدة التي شكلت “بدلاً عن ضائع” كون المستخدمين ولا سيما في لبنان أوفياء لفيسبوك وإنستغرام، على الرغم من أن الكثيرين جنحوا نحو “تويتر” ليعرفوا ما يحدث من جهة وللتسلية وتلبية لإدمانهم على مواقع التواصل من جهة أخرى.
ولكن في حين كان خوف المستخدمين في العالم منصباً حول فقدان الداتا أي معلوماتهم الشخصية ولا سيما ان شركة فيسبوك سبق أن تعرضت لملاحقات قانونية نتيجة تسرّب لمعلومات المستخدمين الخاصة، فإن الأمر في لبنان كان مختلفاً حيث لم يتأثر الكثيرون بفقدان داتا ليس فيها ما يشكل خطراً عليهم، بل كان خوفهم نابعاً من أمرين أساسيين: أولاً ان للكثيرين مصالح تجارية على إنستغرام وفيسبوك يعتاشون منها وخافوا من خسارتها، وثانياً تخوّفَ اللبنانيون من فقدان التواصل مع الأهل والأحباء في العالم عبر تطبيق واتساب، وخشيوا ان يضطروا الى العودة الى استخدام المخابرات الدولية المكلفة للتواصل مع أهلهم وعائلاتهم المنتشرين في العالم، من هنا سارع كثر الى تنزيل تطبيقات مثل سيغنال وتليغرام وفايبر لاستبدال واتساب.
ولكن إذا كان عرش مارك زوكربرغ قد اهتز في العالم فإن قلوب اللبنانيين كانت أكثر اهتزازاً حيث تبين مدى إدمانهم على مواقع التواصل وتعلقهم بها، بعد أن باتت من مصادر المتع القليلة المتبقية لهم ومدى الذعر الذي أصابهم حين ظنوا أنهم فقدوها. ويؤكد بشير التغريني أن لبنان يعتبر نسبةً الى عدد سكانه من أكثر البلدان التي يمضي أهلها أوقاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا سيما على موقعي فيسبوك وإنستغرام، ومع التهديد المستمر بتوقف الإنترنت كانت “الوهلة” شديدة الوطأة عليهم.
شماتة الأعداء
الضاحك الأكبر ليلة أمس كان موقع «تويتر» الذي شهد زحفاً غير مسبوق نحوه بحيث أطلقت إدارة الموقع تغريدة جاء فيها: «أهلاً بالجميع، حرفياً الجميع»، ما يعني أن الموقع بات ملجأً لكل رواد مواقع التواصل الاجتماعي من دون استثناء. ومثله استقبلت التطبيقات المنافسة لفيسبوك الرواد المهجّرين قسراً من الموقع و أبرزها Telegram، Signal، Viber وFacetime بحيث صعب على بعضها استيعاب أعداد الوافدين إليها من المستخدمين الجدد واضطرت الى التوقف؛ فعلى سبيل المثال ارتفع عدد مستخدمي موقع Signal الذي كان يضم 10 ملايين مستخدم الى 50 مليوناً ما أجبر الموقع على التوقف لعدم قدرته على الاستيعاب.
رواد «تويتر» اللبنانيون كانوا بالأمس وكأنهم «أم الصبي»، الـ «مود» على أفضل ما يكون تفاخراً وتنكيتاً، ليس شماتة بالوافدين الجدد إليهم بل تأكيداً على حسن خياراتهم وعلى تفوقهم الفكري (وحتى التقني)، هم الذين لطالما اعتبروا جماعة فيسبوك مبتدئين في عالم السياسة والفكر وجماعة إنستغرام وكأنهم يعيشون في لالالند. ولكن نكاية بهؤلاء فضّل الكثير من اللبنانيين ان يتسلوا على يوتيوب او ان يتواصلوا في ما بينهم عبر المساجات التقليدية ولكن بتقنية I Message، وحتى ان البعض تبادلوا الزيارات او التقوا حول الشاشة الصغيرة في البيوت.