كتب حبيب معلوف في “الاخبار”:
حرائق الغابات هذا العام سجّلت حتى الآن أرقاماً قياسية مقارنة بالسنوات السابقة، إلا أن «موسم» الحرائق يبدأ فعلياً هذا الأسبوع، ما يستدعي جهوزية كبيرة واستنفاراً عاماً، بحسب توقعات مخاطر الحريق وفقاً لنظام Firelab التابع لجامعة البلمند.
نفذ الدفاع المدني، أول من أمس، 80 مهمة إطفاء حرائق في يوم واحد. ويتوقع أن تزداد الحرائق هذا الأسبوع، مع انخفاض مستوى الرطوبة في الغطاء النباتي والتربة ما يتسبب في خلق بيئة ملائمة لتمدد الحرائق الكارثية.
بحسب تقييم أولي (أجرته جامعة البلمند بإشراف الدكتور جورج متري) لحرائق عكار هذا العام، بين 28 تموز وأول آب، التهمت الحرائق أكثر من 1500 هكتار. أما الحصيلة النهائية فغير معروفة بعد بطبيعة الحال، وإن كان مؤكداً أنها ستسجّل رقماً قياسياً، علماً بأن الحرائق أتت عام 2020 على 7000 هكتار وعام 2019 على 3000 هكتار، فيما كان المعدل السنوي قبل 2019 لا يتجاوز 1000هكتار سنوياً!
التقييم لفت الى أن الخطورة تكمن في أن الحرائق، في السنوات الأخيرة، باتت تطال ارتفاعات جديدة (تصل إلى ١٨٠٠ متر عن سطح البحر) لم تعرف في الماضي مثل هذه الكوارث، وهي أماكن حساسة جداً، بيئياً، بتنوعها البيولوجي. إذ إن الأشجار التي تعيش على هذه الارتفاعات، كالأرز والشوح واللزاب، لا تعوض نظراً إلى صعوبة إعادة إنباتها بشكل طبيعي كما هي حال أشجار السنديان مثلاً. أضف الى ذلك أن هناك مساحات مصنفة كـ«مناطق تنوع بيولوجي رئيسية» أصبحت مهددة بسبب تغير المناخ وزيادة حرارة الأرض.
كذلك، شهد لبنان هذا العام ظاهرة جديدة في عكار، هي تزامن الحرائق مع الفيضانات! وهذا ما يعرف بـ«المظاهر المناخية المتطرفة»، حين ترتفع الحرارة بشكل كبير وتساهم في زيادة الحرائق، وتحصل هطولات مطرية متطرفة تتسبب بالسيول في الوقت نفسه، علماً بأن احتراق الأحراج وتراجع الغطاء النباتي يسهّلان انجراف التربة والتعرية والتصحر كلما تكررت هذه الظواهر… ما يتسبب بأضرار دائمة وخسائر لا تعوّض بسبب انقراض كثير من الأنواع. كما أن المناطق المعرّضة للجفاف هي نفسها التي باتت معرّضة للحرائق، أي فوق مستويات 1800 متر عن سطح البحر.
التهمت الحرائق أكثر من 12000 هكتار من الأراضي الطبيعية فقط في السنوات الثلاث الماضية، وأضرّت، بشكل مباشر أو غير مباشر، بما لا يقل عن 30% من المناطق المصنفة عالمياً «مناطق تنوع بيولوجي رئيسية». وتأثر، في السنوات الثلاث الماضية، أكثر من 30 ألف هكتار من الغابات بتفشّي الحشرات والأمراض. وهذه الغابات باتت معرّضة لمخاطر مترابطة من صنع الإنسان، أهمها إلى جانب ارتفاع الحرارة والحرائق، زيادة الصيد البري المسبب للحرائق أيضاً ولانقراض الطيور (بحسب دراسة حديثة، في لبنان 11 نوعاً من الطيور المهددة عالمياً، و4 أنواع من الطيور المهددة بالانقراض، و7 أنواع من الطيور المعرّضة للخطر، و15 نوعاً من الطيور المهددة نسبياً)، ما يزيد من أعداد الحشرات التي تفتك بالغابات. صحيح أن الطيور تتمايز عن الزواحف بقدرتها على التحليق والهروب من الحرائق، إلا أن النيران تدمّر موائلها ومصادر غذائها. ومعلوم أن تنوع النظام الغذائي للطيور (مثل الرحيق والفاكهة والبذور والحشرات وغيرها)، يساهم في الحد من تدهور النظم الإيكولوجية للغابات. كما تقلل الطيور من الآثار المدمرة للآفات والحشرات التي تفتك بالغابات وتغني عن الرش المكثف للمبيدات التي تتسبب بضرر بيئي وزراعي. كما أن للطيور دوراً مهماً للغاية كـ«مشتتات للبذور» التي تساهم في إعادة إنبات الكثير من الأشجار والنباتات، ولا سيما بعد الحرائق. وتؤكد دراسات عالمية أن نحو ٩٢٪ من النباتات تنتشر بواسطة الطيور، منها 85 نوعاً من الأشجار الخشبية، و182 نوعاً من النباتات الصالحة للأكل (بما في ذلك النباتات العطرية)، و153 نباتاً طبياً، و146 من أنواع أخرى. لذلك، يراهن كثير من الأوساط العلمية على الطيور للقيام بدور الإنعاش الطبيعي للأنواع النباتية المستوطنة، وخصوصاً في الأراضي الجبلية العالية (المناطق الجردية) التي تعرضت أخيراً لمخاطر نشوب الحرائق والجفاف وتقليل قدرات التجدد الطبيعي.
الأسبوع الماضي، عقد وزير البيئة ناصر ياسين لقاءً ضمّ مديري المحميات وعيّن لجنة خاصة لإعادة إحياء استراتيجية إدارة حرائق الغابات التي أقرّها مجلس الوزراء عام ٢٠٠٩ ولم تنفذ، على أن تضم الجمعيات المهتمة بالطيور وبمكافحة الحرائق وحماية الغابات، وتنسق مع وزارة الزراعة التي حدّثت أخيراً قانون الغابات وسمحت للمرة الأولى بتشحيل غابات الصنوبر البري. كما دعا وزير الداخلية بسام مولوي إلى اجتماعات استثنائية لمواجهة الحرائق المتوقعة. إلا أن هذا لا ينهي الجدل حول كيفية متابعة هذا الملف، بين مؤيد لتولّي وزارة البيئة دور المنسق الوطني لاستراتيجية إدارة الحرائق، ومن يرى أن ذلك من مسؤولية هيئة إدارة الكوارث في رئاسة مجلس الوزراء، وخصوصاً أن هذا العمل يتقاطع مع أكثر من وزارة وعلى رئاسة الحكومة أن تنسق في ما بينها، مع العلم بأن إدارة الحرائق أوسع من إدارة حالات الطوارئ والكوارث وهي تتطلب إجراءات وقائية قبل وقوع الكوارث من أجل تفاديها، تقوم على المراقبة والوقاية عبر التشحيل في انتظار استكمال الاستراتيجية الشاملة الحامية للغابات والتي يمكن أن تنضمّ إليها وزارة العدل لملاحقة مفتعلي الحرائق ومرتكبي المجازر بحق الطيور… فضلاً عن مواجهة التهديدات التاريخية المعروفة كالعمران وشق الطرقات التي تقطع تواصل الغابات، وأعمال المقالع والكسارات والمرامل التي تأكل من رصيد المساحات الخضراء.
قوانين الحماية
لا يسمح قانون الغابات الصادر منذ عام 1949 لأيّ شخص بحرق الأشواك والعشب والقش والنباتات الأخرى، على الأراضي الواقعة على بعد أقل من 500 متر من أي منطقة حرجية بين 1 تموز و31 تشرين الأول.
كما تنص الاستراتيجية الوطنية للحماية من الحرائق التي أقرّت عام ٢٠٠٩ على تفعيل دور البلديات في المناطق الحرجية الحساسة لزيادة جهوزيتها في المراقبة والتدخل السريع والتوصل إلى إخماد الحرائق خلال الدقائق العشرين الأولى تطبيقاً لمبدأ «كلما عُرف الحريق في بدايته سهل إطفاؤه»، وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب عبر متابعة المفارز القضائية المعنية للتحقيقات التي تباشرها المخافر في حوادث اندلاع الحرائق لمحاسبة مسببيها.
أكثر أسباب الحرائق شيوعاً
• تقشيش الأراضي من الأعشاب والبقايا الزراعية وتنظيفها بواسطة الحرق. فرغم الخطر الواضح، يستمر البعض في إشعال المخلّفات الزراعية حتى في أكثر فترات السنة خطورة.
• رمي أعقاب السجائر المشتعلة في المساحات العشبية اليابسة، واستخدام النار في الغابات أثناء نشاط معين وعدم التأكد من إخمادها بشكل تام.
• إضرام النيران في مكبات النفايات للتخلص منها خلال فترة تسود فيها عوامل مناخية تساعد على نشوب حرائق خطرة من دون أخذ إجراءات الحيطة والحذر.
• افتعال حرائق بقصد الأذى أو بسبب خلافات ونزاعات على الحدود، أو لتغيير وجهة استخدام الأراضي.
• الصيد البري وطقوسه واستخدام الألعاب النارية والمفرقعات.