كتبت مرلين وهبة في “الجمهورية”:
فاجأت محكمة الاستئناف الوسط القضائي والسياسي كما الشعبي بقرارها رد الطلبات المقدمة من النواب: نهاد المشنوق وعلي حسن خليل وغازي زعيتر بحق المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، والمفاجأة الاكبر كانت بالتوقيت السريع في رد تلك الطلبات التي وقعها رئيس المحكمة الاستئنافية نسيب ايليا بالاضافة الى توقيعي قاضيين من مستشاريه هما مريم شمس الدين وروزين حجيلي. إلا أنه، وبحسب مصادر قضائية متابعة، فإنّ القضية لم تنتهِ بعد إذ انّ الطلبات رُدّت بالشكل لعدم الاختصاص النوعي، وهذا لا يعني ان هؤلاء النواب استسلموا، لأنه من المرجّح أنهم سيسارعون الى معاودة رفع «دعوى الرد» بالمضمون نفسه امام المحكمة المختصة اي محكمة التمييز وفق الاصول القانونية، فيما اعتبرت مراجع قضائية متمرسة انّ الامر يحمل جدلاً.
مواقف كثيرة مؤيّدة ومعارضة استتبعَت قرار ايليا، فالتأييد الشعبي هَلّل للقرار معتبراً انه انتصار على المنظومة الحاكمة. في المقابل، رفضَ غالبية الساسة، كما بعض المحامين المعنيين، القرار. فاعتبر البعض ان صدوره قبل تبليغ المدعين مخالفة للاصول القضائية، فيما اعتبر ايضا محامي المشنوق انه مخالف للاصول القانونية مصراً على أن الدعوى هي من صلاحية محكمة الاستئناف وبأنه سيثبت ذلك من خلال الأدلة والوثائق.
المصادر القضائية تؤكد ان قرار محكمة الاستئناف لا يقبل التراجع ولا المراجعة، وقد أحالته الى المحكمة المختصة وهي محكمة التمييز. وعليه، يطرح السؤال الاهم: هل يصدر قرار محكمة التمييز أسوة بقرار محكمة الاستئناف سريعاً سواء بقبول دعوى الرد او بطلانها؟
تكشف المصادر القضائية ان مسار التحقيق في انفجار المرفأ سيشهد المنحى ذاته في محكمة التمييز فور تسلّمها الدعوى، اي نفس السيناريو. بمعنى انه سيتوقف القاضي البيطار مجدداً وتلقائياً عن الاستمرار في التحقيق بانتظار قرار محكمة التمييز التي ستحوّل الدعوى الى غرفة في محكمتها، والتي قد تكون ايضاً رئيستها القاضية رندا كفوري، أي القاضية نفسها المتابِعة لدعوى الارتياب المشروع. وعندها، سيتوقف البيطار عن مزاولة عمله بانتظار قرار تلك المحكمة، اي قرار محكمة التمييز، بقبول دعوى الرد او بطلانها. وتجدر الاشارة الى انها منفصلة عن دعوى الارتياب المشروع التي تفصل بها ايضاً القاضية كفوري، فتوقِف عمل البيطار او تُبقيه في مهامه قاضياً عدلياً لملف انفجار المرفأ.
في الموازاة، سارعَ القاضي البيطار الى الاستفادة من الوقت لتحضير بلاغات إحضار جديدة بحق من استدعاهم من النواب والوزراء والامنيين وغيرهم.
إلا أن مصادر قضائية كشفت ان الفترة الزمنية التي يتطلبها مسار تلك البلاغات ليس بالضرورة ان تستبِق يوم 19 تشرين الأول، أي موعد بدء العقد العادي الثاني لمجلس النواب، أي قبل ان يتسلّح هؤلاء النواب مجدداً بالحصانة النيابية، لأن المحكمة المختصة اي محكمة التمييز من الممكن ايضاً أن يكون قرارها سريعاً أسوة بمحكمة الاستئناف، اي بقبول او ابطال دعوى الرد المقدمة من النواب الثلاثة بحق البيطار قبل 19 تشرين الأول. وبذلك، تضيف المصادر ان القاضي البيطار لا يُحسد على وضعه في المرحلة الحالية، إذ سيجد نفسه في سباق مع الوقت.
اولاً: تحسّباً لأي تسرّع من قبل المحكمة المولَجَة بإبطال او بقبول دعوى الرد كي لا يتوقف عمله مباشرة للمرة ثانية.
ثانياً: تحسّباً من اي تهرب للمستدعين بطرق قانونية مشروعة حتى حلول 19 تشرين الأول موعد عودة حصاناتهم النيابية.
القاضي يدّعي على قاض!
في المقابل، تفاعلت أمس الظاهرة غير الصحية، بحسب رأي المصادر القضائية نفسها التي لا بد من الاشارة الى اهميتها، وهي الدعوى التي تقدم بها البيطار بحق المحامي العام التمييزي القاضي غسان خوري المولَج ايضاً بمتابعة ملف المرفأ، والذي اتهمه البيطار فيها بالاخلال بواجباته الوظيفية والقانونية باعتبار انه حفظ ملف النيترات بإشارة من القاضي عويدات في حزيران 2020، وهي الدعوى التي اعتبرها الوزير فنيانوس مزوّرة بعدما عَمد البيطار الى التلاعب بتاريخها لتكون قانونية قبل تبلّغه بـ»دعوى الرد».
المصادر القضائية تعلّق على فحوى الدعوى بالشكل والمضمون بالقول انّ اخطر ما فيها هو مشهدية ان يتقدم قاضٍ برفع دعوى على قاض آخر، وهو امر غير صحي للجسم القضائي ويزعزع الثقة بالقضاء، لا سيما ان خوري كلّف متابعة ملف الانفجار بعد تَنحّي عويدات. فكيف تستوي الثقة بالقضاء اذا أقام القاضي العدلي دعوى بحق المحامي العام التمييزي، وهما مولجان سوياً بمتابعة قضية انفجار الدعوى، خصوصاً أنّ المراسلات تواصلت فيما بينهما حتى الأمس القريب لِما فيه عدالة الملف؟!
قبلان يصد البيطار
في الموازاة، اصدر امس المحامي العام التمييزي القاضي عماد قبلان قراراً بالكتاب الذي أحاله البيطار الى النيابة العامة التمييزية في حال ارتَأت، نَسْب الإخلال الوظيفي للقاضي غسان الخوري، فاعتبر أن كتاب المحقق العدلي فارغ من أي شبهة، وليس هناك من دلالة على وجود إخلال في العمل الوظيفي، علماً أنّ دور المحامي العام التمييزي القاضي غسان الخوري إقتصر على التأشير بعبارة «للحفظ» على محضر منظّم من جهاز أمن الدولة تم بإشراف النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات لا يتضمن مُشتبهاً فيهم، إنما اقتصر على اتخاذ تدابير لحماية المواد المنزلة في المرفأ بقرار من قاضي الأمور المستعجلة لكي لا تتعرض للسرقة.
تفاعل الشارع والمتهمين والاحزاب
على صعيد الداخل، رفض النائب نهاد المشنوق قرار محكمة الاستئناف، واعتبر محاميه انه يمثل فضيحة قضائية، وأنهم بصَدد نشر بيان تفصيلي يتضمن كافة المستندات التي تثبت قانونية طلب الرد كما واختصاص محكمة الاستئناف.
كذلك عبّر القاضي غالب غانم، في حديث تلفزيوني، عن احترامه لقرار محكمة الاستئناف وللقاضي نسيب ايليا الذي لا يمكن الرجوع عنه او الطعن به، إلا انه وفي الوقت نفسه لم يَنف انّ موضوع الصلاحية في دعوى الرد المَنوط بمحكمة الاستئناف من الممكن ان يحمل جدلاً قانونياً.
أما شعبياً وعلى الصعيد الداخلي، فقد تفاوتَ التفاعل الشعبي والسياسي بعد قرار محكمة الاستئناف، فالرأي الشعبي المعارض للمنظومة اعتبر قرار القاضي ايليا نصراً بعدما أبدى أنصاره تخوَّفهم العلني من تعرّض القاضي نسيب ايليا للضغوطات للمماطلة في اصدار قراره، إلا ان مصادر «حزب الله» ومُواليه اعتبروا الحقيقة معاكسة وانه لم يكن القاضي ايليا ليُصدر قراره بهذه السرعة لولا الضغوطات الخارجية، وتحديداً الاميركية، والعكس ليس صحيحاً، والدليل انّ القاضي ايليا لم يكن قراره سريعاً فقط بل متسرّعاً، وفق تعبير تلك المصادر.
في المقلب الآخر، الأعين شاخصة اليوم الى عودة القاضي البيطار الذي استمر في مزاولة عمله في مكتبه في قصر العدل لساعات متأخرة امس كي يدرس ملفه، وأعلن لاحقاً عن مواعيد الاستدعاءات الجديدة.
عناية عدلية ام إلهية
أنصار القاضي البيطار يتخوفون من الخطر المُحدق به بعد «التهديد المُبهم» الذي لا بد من التوقّف عن توقف التعليقات عليه فجأة.
وهنا لا بد من التذكير بتردد القاضي البيطار في المرة الاولى التي تم فيها اختياره، وقد استبعد عن المهمة بعدما كشف شخصياً عن تخوّفه على حياة عائلته، وقد نقل هذا التردد الى وزيرة العدل السابقة ماري كلود نجم، وكذلك الى القاضي سهيل عبود الذي لمسَ بدوره هذا التردد، فاستبعد البيطار حينها عن المهمة، ليعود ويقبل بتسلّمها بعد كف يد القاضي فادي صوان.
وعليه، تُطرح الأسئلة التالية: كيف ستكون عودة البيطار؟ وهل سيكفيه الدعم الشعبي للوقوف في وجه المنظومة القائمة وفي وجه الحصانات؟ وهل خالفَ القوانين فعلاً؟ وهل لمس بعد ذلك «التهديد المُبهم» ان حياته فعلاً في خطر؟ ام انه سيمضي في مهمته بالزخم نفسه كما في السابق، مُتّكلاً، وفق ما يُقال عن لسانه، «على العناية الالهية»؟ أم هناك فعلاً عناية خارجية تحصّنه؟