كتب محمد شقير في “الشرق الأوسط”:
يتفرّغ وزير الداخلية القاضي بسام مولوي لإنجاز التحضيرات التقنية واللوجيستية لإجراء الانتخابات النيابية في الموعد الذي يحدده البرلمان وإن كان يفضّل أن تجري -كما قال لـ«الشرق الأوسط»- في الثامن من أيار 2022، أي قبل نحو أسبوعين من انتهاء ولاية المجلس النيابي الحالي في 21 منه، كاشفاً عن أنه صارح رؤساء الجمهورية ميشال عون، والبرلمان نبيه بري، والحكومة نجيب ميقاتي، بأنه لن يتقدّم شخصياً بأي تعديل يتعلق بقانون الانتخاب له طابع سياسي إصراراً منه على التزام وزارة الداخلية بالحياد وعدم الانحياز لفريق على حساب آخر.
ويلفت مولوي إلى أنه أخذ على نفسه عدم التدخّل في التعديلات المقترحة على قانون الانتخاب تاركاً للبرلمان تعديل ما يراه مناسباً، ويؤكد أنه أمضى حتى الآن نحو 30 سنة قاضياً ولديه آراؤه السياسية في القضايا المطروحة، لكنه ما إن تولى وزارة الداخلية قرر النأي عن التدخل في العملية الانتخابية لأن ما يهمه قبل كل شيء تأكيد حياديته تاركاً للمنافسة الديمقراطية بين المرشحين أن تأخذ طريقها من دون أن يشوبها ما يمكن أن يؤثر على الدور الحيادي للداخلية التي يتطلّب منها تأمين الاحتياجات التقنية واللوجيستية لإنجاز الانتخابات.
ويرى مولوي أنْ لا مجال لتأجيل الانتخابات بعد أن التزمت الحكومة بإتمامها، وهذا ما يحتّم على وزارة الداخلية تفادي الثغرات والنواقص التي يمكن أن تعيق إنجازها في الوقت المحدد لها، ويؤكد أن سير العملية الانتخابية سيكون موضع مراقبة ومواكبة من المجتمع الدولي للتأكد من نزاهتها وعدم انحياز الجهة المشرفة عليها لهذا الفريق أو ذاك.
ويكشف عن أنه بعث برسائل إلى مجلس القضاء الأعلى ومجلس شورى الدولة ونقابتي المحامين في بيروت والشمال والهيئات الأهلية يطلب فيها أن تقترح مَن ترشّحهم ليكونوا أعضاء في الهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات على أن يحمل أسماء المرشحين إلى مجلس الوزراء ليختار الأعضاء في الهيئة التي سيكون دورها تأمين إجراء الانتخابات بحيادية ونزاهة. ويؤكد مولوي أنه يعكف حالياً على تقدير حجم النفقات المالية المترتبة على إنجاز العملية الانتخابية، ويقول إنه سيتقدّم إلى مجلس الوزراء فور الانتهاء من تقديرها بطلب فتح اعتماد لتغطية النفقات على أن يصدر عنه بمرسوم. ولا يمانع في إخضاع العملية الانتخابية لمراقبة دولية للتأكد من نزاهة إنجازها بالشفافية المطلوبة التي تشكّل اختباراً لحيادية الحكومة ممثلةً في وزارة الداخلية، خصوصاً أن جميع من هم في الداخل أو في الخارج يتعاملون معها على أنها محطة لإحداث تغيير يستجيب لتطلعات الشعب اللبناني.
ولدى سؤال مولوي عن إمكانية تأجيل إجراء الانتخابات يجيب: هل لدى الحكومة القدرة على الدخول في مواجهة مع المجتمع الدولي؟ وماذا ستقول له؟ خصوصاً أن هناك تلازماً بين مساعدة لبنان وبين إنجاز الاستحقاق النيابي وإلا يعود البلد إلى ما كان عليه من تأزُّم غير مسبوق قبل تشكيل الحكومة.
ويوضح أنه بعث برسالة إلى المجلس النيابي تتعلق بالتحضيرات التقنية واللوجيستية التي باشرت الداخلية بإنجازها مع تأمين التيار الكهربائي في أثناء إجراء الانتخابات التي يُفترض أن تتم في جميع الدوائر الانتخابية في يوم واحد، إضافةً إلى تأمين انتقال القضاة والموظفين الذين سيشرفون على إجراء الانتخابات إلى مراكز الاقتراع المحددة لهم والتي ستتولى حمايتها قوى الأمن الداخلي بمؤازرة الجيش اللبناني.
وفي هذا السياق، يؤكد وزير الداخلية أن التعديلات المقترحة على قانون الانتخاب وتحديداً ذات الطابع السياسي متروكة للبرلمان لقطع الطريق على من يحاول التشكيك بحيادية وزارة الداخلية بذريعة أنها تدخّلت في الشق السياسي من القانون.
ويضيف أنه شكّل لجنة خاصة في وزارة الداخلية بالتنسيق مع وزارة الخارجية أُوكلت إليها مهمة تسجيل أسماء من يودّون الاقتراع من المقيمين في بلاد الاغتراب على أن يعود للبرلمان أن يحسم موقفه ما إذا كان هؤلاء سيقترعون للمرشحين لشغل المقاعد الستة المخصصة لهم والموزّعة على القارات الست، أم أنهم سيقترعون كما في دورة الانتخابات السابقة للمرشحين عن الدوائر الانتخابية في لبنان لانتخاب 128 نائباً شرط التقيُّد بلوائح الشطب ليقترعوا حسب قيودهم على هذه اللوائح.
ويؤكد أن تعليق العمل بانتخاب المغتربين للمرشحين للمقاعد النيابية الستة المخصصة للمغتربين يتطلب تعديل القانون الحالي بما يسمح لهم بممارسة حقهم الانتخابي كما في السابق باختيار مرشّحيهم لانتخاب 128 نائباً، ويقول إن التعديل يتلازم مع إعادة النظر بالمهل الخاصة بتسجيل أسمائهم، خصوصاً إذا تقرّر إجراء الانتخابات في 27 آذار المقبل.
كما أن هناك ضرورة لتعديل المهل الخاصة بلوائح الشطب لأن إصدارها حسب القانون الحالي ومن وجهة نظر وزير الداخلية يتم في 30-3-2022 أي بعد انقضاء ثلاثة أيام على إجراء الانتخابات في 27 مارس، وهذا يستدعي اعتماد لوائح الشطب الصادرة في 30-3-2021 شرط أن تكون منقّحة بالكامل، على أن يضاف إليها أسماء مَن يحق لهم الاقتراع بعد تجميد اللوائح ممن أتمّوا الواحد والعشرين من العمر لأنه من غير الجائز حرمان الألوف منهم الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات.
وبالنسبة إلى إنشاء «ميغا سنتر» يتيح للبنانيين الاقتراع في أماكن سكنهم بدلاً من الانتقال إلى مراكز الاقتراع حسب قيودهم الواردة في لوائح الشطب، فإن إنشاءه ليس وارداً في القانون الحالي ويعود للبرلمان اتخاذ القرار النهائي في هذا الخصوص، إضافةً إلى أن استخدام البطاقة الممغنطة التي عُلّق العمل بها في الانتخابات الأخيرة يتطلب «الإفراج» عنها بقرار من الهيئة العامة في البرلمان رغم أنها مطلوبة لتسهيل عملية الاقتراع إذا تقرر إنشاء «ميغا سنتر».
وعلمت «الشرق الأوسط» أن وزارة الداخلية مستعدة لإنجاز البطاقة الممغنطة، لكنّ عامل الوقت قد يعيق إنجازها ما لم يتقرر إجراء الانتخابات في أيار كموعد نهائي، إضافة إلى توفير المال لتغطية كلفة تحضيرها وطبعها، مع أن مولوي باشر اتصالاته مع الدول المانحة ومنظمات الأمم المتحدة لتأمين المال المطلوب لوضعها موضع التطبيق نظراً لعدم قدرة الدولة بوضعها المالي الراهن على تسديد كلفة طبعها.
لذلك قرر وزير الداخلية «تعليق» نشاطه السياسي في ما يتعلق بالتحضير لإجراء الانتخابات مكتفياً بالشق اللوجيستي والتقني، لتأكيد حيادية وزارته التي يجب أن تبقى على مسافة واحدة من جميع المرشحين والقوى السياسية الداعمة لهم، وهذا يشكّل تحدّياً لمولوي الذي لن يخضع للابتزاز ويبقى عليه أن يثبت حياديته بالأفعال لا بالأقوال.