Site icon IMLebanon

لبنان يضعف بمفاوضات الترسيم

كتب منير الربيع في “المدن”:

وكأن اللبنانيين ينصبون الأفخاخ لأنفسهم. يقعون في شرور أعمالهم وحساباتهم. لا يبدو، حتى الآن، أن لبنان قادر على مواكبة التغيرات الإقليمية المتسارعة. فيجد نفسه مطوقاً بأزمات متعددة ومتراكمة، لم تعد تقتصر على الأزمات الاقتصادية والمالية، أو على آلية التفاوض مع صندوق النقد الدولي. فالملفات الأمنية أو الاستراتيجية تتقدّم أكثر، خصوصاً وفق مسار التطورات التي تشهدها المنطقة، والتي قد يكون محورها في الفترة المقبلة سوريا.

الترسيم والتصعيد

لا يزال ملف ترسيم الحدود البحرية يتقدم على غيره من الملفات. تُضعِف السلطة السياسية نفسها بنفسها، فتستغل إسرائيل الموقف لصالحها، برهانها على الصراعات الداخلية اللبنانية، على نحو ما جاء في تصريح وزيرة الطاقة الإسرائيلية حول عدم قدرة بيروت على فرض شروطها، مبدية رغبة بلادها بحلّ الأزمة العالقة.

وإلى جانب ملف ترسيم الحدود، برزت المعلومات التي تحدثت عن كوموندوس إسرائيلي في بلدة النبي شيت بالبقاع، بحثاً عن معلومات حول مصير الطيار الإسرائيلي رون آراد. ويتزامن ذلك مع معطيين جديدين. المعطى الأولى، هو فتح حزب الله للحدود بين لبنان وسوريا لتمرير المحروقات. والمعطى الثاني، هو التصعيد الإسرائيلي الجديد ضد إيران والحزب، والادعاء بأن طهران قدّمت لحزب الله المزيد من الطائرات المسيَّرة المتطورة.

رواية الكومندوس الإسرائيلي

إنها معركة أمنية واستراتيجية متعددة الأبعاد. لكن كل التقديرات تشير إلى استبعاد أي تصعيد عسكري أو توتر ميداني، وستبقى الأمور في إطار المناوشات السياسية والعمليات الأمنية. فما جرى في الأيام الأخيرة (بين قبرص وسوريا ولبنان) من أعمال “استخبارية”، هو مؤشر إلى تصاعد المواجهة الأمنية الإسرائيلية الإيرانية. والتسلل إلى النبي شيت أو دمشق (إذا صحت وقائعها) يعني أن الإسرائيلي أراد الإعلان إنه قادر على الوصول إلى أي منطقة يريدها. ولو صحت رواية وصول كوموندوس إسرائيلي إلى بلدة النبي الشيت في قلب البقاع اللبناني، وإحدى معاقل حزب الله، فهذا يعني أن عناصر الكوموندوس تمكنوا من الدخول إلى مناطق محيطة بالكثير من المواقع العسكرية التابعة للحزب.

ويأتي ذلك في ضوء استمرار الإسرائيليين بالتصعيد ضد إيران، وصولاً إلى الادعاء بأن طهران عملت على تزويد حزب الله بطائرات مسيّرة جديدة، وبتقنيات متطورة.

تلك العملية -وبحال كانت صحيحة- في البقاع اللبناني، ووسط تأكيد إسرائيلي لحدوث مثيل لها في سوريا، لا يمكن لها أن تنفصل عن جهود تبذلها روسيا منذ فترة مع إيران والنظام السوري للكشف عن مصير آراد. وهو حتماً ملف سيكون النظام السوري لاعباً أساسياً في الكشف عن تفاصيله، بحثاً عن مكسب أو مقابلٍ سياسي في المرحلة المقبلة، لا يتعلق فقط بالتطبيع العربي معه، إنما بالاستفادة من نقاط أخرى.

قائد الجيش والرئيس.. والمفاوضات

كلا الطرفين، أي النظام السوري والإسرائيلي، لديهما الخبرة الكافية للدخول في بازارات البيع والشراء والمقايضة. وسط هذه التطورات لا يزال لبنان يؤجل كل الملفات الأساسية لديه، وينتظر وصول المبعوث الأميركي الجديد، المفوض بمواكبة مفاوضات ترسيم الحدود، آموس هوكشتاين، لإعادة إحيائها مجدداً. ويلتزم لبنان حتى الآن عملياً بتقنية المفاوضات التي يقودها الوفد العسكري المفاوض، برئاسة العميد بسام ياسين، والذي يفترض أن يتقاعد في الفترة المقبلة. وتتحدث المعلومات عن رغبة لدى قائد الجيش جوزيف عون بالتمديد له ليستكمل مهمته على رأس الوفد. خصوصاً أن قائد الجيش يعتبره من أكفأ الضباط المتابعين لهذا الملف، هو وفريق عمله. بينما تتحدث معلومات أخرى عن رفض رئيس الجمهورية التمديد له.

وهنا يطرح سؤال عن إمكانية ترؤس العميد ياسين للوفد المفاوض، ولو كان قد سُرّح من الخدمة. فذلك سيثير خلافاً كبيراً، وسيخلق انطباعاً بأن المفاوضات أصبحت تتخذ طابعاً مدنياً، فيما قد يعتبر آخرون أن هذا مبدأ يسعى وراءه رئيس الجمهورية، ليترأس الوفد مدير عام رئاسة الجمهورية أنطوان شقير.

إذاً هناك خلاف حول الوفد، وخلاف حول المنطلقات التي يجب على لبنان أن يبدأ منها في مفاوضاته، وهو توقيع تعديل المرسوم 6433، وتوسيع الحدود من الخط 23 إلى الخط 29، ليحفظ حقه. خصوصاً أن الوقت أصبح داهماً. هذه الخلافات يستغلها الجانب الإسرائيلي المراهن على إضعاف لبنان أكثر فأكثر، فيما القوى السياسية الداخلية لا تزال تبحث عن تفاوض من خارج الوفد الرسمي، لتحسين علاقات خارجية، وتناسباً مع حسابات سياسية حزبية أو شخصية.