كتب منير الربيع في “الجريدة” الكويتية:
لا ملف يتقدّم على الانتخابات النيابية في لبنان، فقبل نحو خمسة أشهر من الاقتراع، تحول البلد كله إلى خلية انتخابية.
وبمعزل عن الخلاف القائم على انتخاب المغتربين لـ 6 نواب في البرلمان، وهي المرة الأولى التي يفترض أن تحصل فيها هذه الخطوة، فإن جميع القوى السياسية لا تزال تؤكد تمسكها بأن الانتخابات ستجرى في مواعيدها، فكل طرف يحتاج إلى إثبات شرعيته الشعبية وحفاظه على قاعدته الشعبية، بعد سنتين من التحركات الاحتجاجية التي طالبت بإسقاط الطبقة السياسية كاملة، وهو تحدّ لم ترضَ القوى السياسية بالاستسلام له، وخصوصاً «حزب الله».
فالحزب فاز بالأكثرية النيابية في الانتخابات السابقة، لأول مرة في تاريخه، وهو بالتأكيد يريد الاحتفاظ بها في انتخابات أيار؛ لعدة أهداف: أولاً لإثبات أن شعبيته في الساحة الشيعية لم تضعف، وثانياً إيصال رسالة واضحة للخارج، بما في ذلك الدول العربية، أنه صاحب الأكثرية الشعبية والنيابية في البلد، وبالتالي لا يمكن معاداته أو شطبه، بل يجب التعاطي معه بواقعية، وأنه في الوقت الذي يسيطر فيه على القرار السياسي في لبنان يتمتع أيضاً بأكثرية برلمانية ومؤسساتية تحمي توجهاته وقراراته. والهدف الثالث هو القول للقوى السياسية المحلية إنه على الرغم من كل الاستهدافات، التي تعرض لها، لا يزال الأقوى بينها، وهي بحاجة إليه لتؤمّن فوزها.
بدأ «حزب الله» نشاطه الانتخابي بحماسة، فقد شكل اللجنة المركزية ولجان المناطق، وانخرط في مفاوضات مع حلفائه، مؤكداً لهم أن الانتخابات حاصلة في موعدها. ومن بين أهم الأهداف الاستراتيجية، التي يضعها الحزب حالياً، تشكيل رافعة قوية لحلفائه، ليتمكنوا من الوصول إلى البرلمان. وأحد التحديات التي يواجهها هنا هو كيفية المواءمة بين حليفيه الرئيسيين المتصارعين؛ حركة «أمل» و«التيار الوطني الحرّ»، خصوصاً في دائرة بعبدا، التي تضم الضاحية الجنوبية لبيروت معقل «حزب الله»، وكذلك في جبيل وجزين والبقاع الشمالي.
وتشير مصادر متابعة إلى أن «التيار» يحاول الضغط على الحزب، لعدم التحالف مع «أمل»، إلا أن الحزب يعتبر المس بـ «الثنائي الشيعي» بمثابة خط أحمر، وبالتالي سيكون عليه البحث عن آلية لمعالجة هذه الخلافات.
إلى جانب ذلك، يتطلع الحزب إلى هدف أبعد، وهو لا يسعى للفوز بالأكثرية وتأمين فوز حلفائه فحسب، بل اختراق بيئات وصفوف خصومه، والقول لهم إنه لا يمكنهم الفوز بالانتخابات من دون مساعدته أو التحالف معه، سواء بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر.
في هذا السياق، استثمر الحزب انتخابياً بجلبه سفن المحروقات الإيرانية وتوزيعه الوقود في مختلف المناطق، وتحديداً المناطق السنية في طرابلس، وعكار، وصيدا، وبيروت. كما زار أهالي ضحايا انفجار التليل بعكار، وقدم لهم مساعدات مالية. وكل هذه المبادرات تهدف إلى تركيز الاختراق على البيئة السنية، في ظل الضياع الذي تعيشه شعبياً وسياسياً.
يعتبِر الحزب نفسه صاحب الكتلة التصويتية الأكبر في بيروت، ولا ينسى التحالفات التي يعقدها مع قوى بيروتية ستفرض على الرئيس سعد الحريري البحث عن اعتماد سياسة تقاطع مصالح معه، ليتمكن من الفوز، والأمر نفسه سيسري على عكار وطرابلس من خلال استخدام الحزب لحلفائه ومجموعات موالية له، الهدف من ورائها تسجيل المزيد من الاختراقات في البيئة السنية.