كتب منير الربيع في “المدن”:
تقاعد العميد بسّام ياسين، فأصبح مدنياً. لم ينجح قائد الجيش جوزيف عون في التمديد له، ولو لمدة أشهر ستة، ليستكمل مهمته رئيساً للوفد العسكري المفاوض في ملف ترسيم الحدود.
بين التقني والديبلوماسي
وإحالة ياسين على التقاعد، وسط هذا الصمت الغريب من القوى السياسية، يعني شيئاً واحداً: توافق ضمني أو تقاطع مصالح بين الجميع لرفض الطروحات التي تقدّم بها ياسين وأصر عليها، وهي توسيع الحدود بناء على تعديل المرسوم 6433.
ويفتح تقاعد ياسين الباب لإعادة البحث مجدداً في تشكيل الوفد. وتستجد عقدة أساسية تتعلق باستمراره في موقعه رئيساً للوفد بصفة مدنية. وهذا ما يرفضه قائد الجيش، وقوى سياسية أخرى، تصرّ على إبقاء المفاوضات تقنية خالصة.
ولا يريد قائد الجيش المشاركة في المفاوضات، في حال كان رئيس الوفد مدنياً. وتشير بعض المعلومات إلى أن رئيس الجمهورية يريد تشكيل وفد ديبلوماسي-تقني مؤلف من مدنيين وعسكريين، برئاسة مدير عام رئاسة الجمهورية، أنطوان شقير. لكن هذا مرفوض من جهات متعددة، وخصوصاً من حزب الله وحركة أمل.
وتبقى الخشية من أن يضيع الملف مجدداً في الحسابات السياسية المتناقضة التي ترتد سلباً على لبنان. فكل طرف سياسي لديه حساباته التي على أساسها يريد خوض المفاوضات. وعليه، ينتظر اللبنانيون زيارة الموفد الأميركي الجديد المكلف إدارة هذا الملف، آموس هوكشتاين، للاضطلاع على الموقف الأميركي الجديد في هذا الخصوص.
تنافس أم تنسيق إيراني فرنسي؟
وتتشعّب الملفات أكثر فأكثر، وتتزاحم الاستحقاقات. ولا يمكن إغفال أن هوكشتاين كان أحد عرّابي الاتفاق الأردني-الإسرائيلي على تزويد الأردن بالكهرباء. ولا بد من مراقبة تطورات الاتفاق الأردني-اللبناني حول ملف الكهرباء أيضاً، ومروراً بسوريا. ولا بد من رصد نتائج زيارة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي إلى عمّان، وهدفها التنسيق في ملفات عديدة. ويزور ميقاتي عمّان بعد لقاءات عقدها في بيروت مع وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، ومع الموفد الفرنسي بيار دوكان.
وهنا لا يمكن فصل تزامن زيارة عبد اللهيان ودوكان، في تأكيد مستمر على التقاطع الفرنسي – الإيراني في لبنان. وانطوى الحضور الإيراني على مسعى يتعلق بالاستثمار في الكهرباء، بعد إدخال النفط الإيراني إلى لبنان. أما باريس فتبدو مهتمة أيضاً بملف الكهرباء والحصول على استثمارات تتعلق بإنشاء معامل لإنتاج الطاقة الكهربائية. وبقدر ما تبدو باريس مهتمة بإعادة إعمار المرفأ، برز موقف عبد اللهيان الذي أبدى استعداد طهران للمشاركة في إعادة الإعمار أيضاً.
ميقاتي بين الرياض وطهران
ولا يزال ميقاتي يؤكد في مواقفه حرصه على استعادة العلاقة بين لبنان والسعودية، وسط عدم تلقي أي إشارة سعودية إيجابية. ولكن مع تأكيد الرياض بأن المسألة لا تتعلق بالأشخاص، بل ترتبط بمسار الحكومة وقراراتها، وعلى أساسها يمكن اتخاذ قرار التعاون معها أم لا.
وحتى الآن لا بوادر حول ذلك، فيما يستمر حزب الله بالضغط الكبير نحو انفتاح الحكومة على دمشق، وسط غياب وضوح الموقف السعودي من تلك الخطوة. وحتى لو توفرت الظروف لذلك، لا يمكن أن توافق الرياض على استعادة العلاقات اللبنانية-السورية من طريق طهران.
حزب الله ومفاصل الدولة
ويستمر حزب الله في مساره المرسوم المتصاعد: لن يتنازل حتماً عما حققه. ولا عن ضغوطه لاستعادة علاقة لبنان بالنظام السوري. وهذا يتقاطع مع إصرار الحزب عينه على خوض الانتخابات النيابية لاستعادة الأكثرية، كما لا ينفصل عن موقفه الواضح في ملف ترسيم الحدود، الذي يريده أن يكون خاضعاً لموافقته حصراً، بعيداً من حسابات القوى المختلفة.
وهذا كله لا ينفصل أيضاً عن سعي حزب الله إلى السيطرة على القطاعات اللبنانية المختلفة، بعد نجاحه في السيطرة على القرار السياسي اللبناني برمته، من دون أن يسيطر بعد على مفاصل أساسية في الدولة، وقادرة على تغيير الوجهة والسياسات العامة. وقد عبر عن ذلك موقف رئيس المجلس التنفيذي في الحزب إياه، هاشم صفي الدين، الذي يصر على وجوب تقليص النفوذ الأميركي في إدارات الدولة.
وحتى الآن يمكن قراءة هذا الموقف في مجالين أساسيين: القضاء، بناء على التعاطي مع التحقيقات التي يقوم بها القاضي طارق البيطار، فيما يستعد حزب الله إلى هجمة مرتدة قضائياً. والمجال الثاني هو القطاع المالي من بوابة مصرف لبنان، ومحاولته التأثير على السياسة النقدية. طبعاً سيكون لهذه المواقف تبعات أخرى في المرحلة المقبلة، وتحديداً بعد الانتخابات.