Site icon IMLebanon

رباعيات اللهيان

كتب علي شندب في “اللواء”:

على خطى عمر الخيّام ورباعياته الشعرية الشهيرة، أطلق وزير خارجية إيران حسين أمير عبداللهيان رباعيته الدبلوماسيّة اللبنانية، ناظماً في ختام زيارته لبيروت، «نحن في إيران ننظر الى الأركان الأربعة الأساسية: الحكومة والشعب والمقاومة والجيش، ونعتبرها الأركان السياسية التي يستند اليها لبنان».

إنها الرباعيّة المتمايزة عن ثلاثية «الشعب والجيش والمقاومة» لصاحبها حسن نصرالله التي أضاف عليها اللهيان الحكومة. بهذه الخفة الإحترامية يتم التلاعب بأركان لبنان وكأنّهم مفردات في الهواء. ترى ألهذا السبب كان وجه نجيب ميقاتي متجهماً وممتعضاً خلال لقائه عبداللهيان، فلم يجد مزيلاً لتجهمه سوى الطلب من البطريرك الماروني بشارة الراعي «الدعاء والصلاة كي تعمل الحكومة»، كما وليتقصّد أن يعلن من منصّة بكركي أن «السعودية قبلته السياسية والدينية» علّه يخفّف من وطأة رباعيّة اللهيان؟

رباعيّة اللهيان اللبنانية، أتت بعد رباعية غزواته الدبلوماسية بدءاً من قمة بغداد التي تغوّل فيها على بروتوكولات القمة، مروراً باجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك، وصولاً الى زيارته موسكو لأسباب قوقازية تتعلق بخواصر ايران الأذرية لا الذريّة. وانتهاء ببيروت التي استبدل فيها لغة العنتريات الصاروخية، بلغة الإمدادات النفطية والكهربائية التي ستستمر اذا ما طلبت الحكومة اللبنانية، أو حزب الله ذلك، في لحظة لفّت فيه العتمة كل لبنان بعدما خرجت معامل كهرباء لبنان من الخدمة قبل أن تسعفهم احتياطات الجيش اللبناني من المازوت.

خلال لقاءاته الرسمية لزوم العلاقات العامة والبروتوكولات الشكلية، كرّر اللهيان بسخاء القول عن وضع إمكانات بلاده لكسر الحصار عن لبنان، معلناً استعداد إيران وفقاً لرباعيته الجديدة التعاون مع لبنان في كلّ المجالات الإنشائية من إعادة إعمار مرفأ بيروت، الى إنشاء معملي كهرباء واحد في الجنوب والثاني في ملعب الغولف في بيروت وفق ما دلّل عليه رئيس بلدية الغبيري، ما يشي بتبني ايران وضمناً حزب الله لفيدرالية الكهرباء، (التي سبق وتضمنها طرح جبران باسيل حول الأمن المسيحي الكهربائي من خلال معمل سلعاتا) وليتوّج سخاء عروضاته التي قدمها للمسؤولين بإنشاء أنفاق المترو أو السكك الحديدية. إنها أنفاق الضرورات الحربية بلباس مدني متشابه مع ظروف المقاومة المتناسلة من عقيدة الصبر الاستراتيجي في التغوّل والسيطرة دفاعاً عن مصالح ايران العليا والسفلى.

بدون شك فإن سخاء ايران لانشاء المشروعات التنموية التي أعلنها اللهيان، وبغض النظر عن تلقف أو رفض الحكومة لها يعكس إضافة للتنافسية التي تخوضها طهران مع القوى الإقليمية والدولية لتمدّد وصناعة النفوذ في البنى الاقتصادية المطروحة، كما يجحّظ بوضوح أكبر حقيقة التخادم بين ايران ومختلف القوى الإقليمية والدولية، بدليل سحب لغة الصواريخ الصوتية القادرة على تدمير اسرائيل خلال 7 دقائق ونصف من التداول بحجّة أن الظروف غير مهيئة، وبدليل غياب كلام اللهيان المعلن من بيروت الى دمشق عن المواجهة مع اسرائيل التي كانت مُسيّراتها تقصف مواقع تابعة لايران قرب مطار التيفور بريف حمص.

ربّ قائل كيف لايران المنهكة اقتصادياً ومعيشياً بسبب العقوبات الأميركية والحصار المفروض عليها، أن تقوم بمد يد المساعدة نفطياً وكهربائياً وإعمارياً للبنان، فيما الأفواه الإيرانية الجائعة ترفض ذلك عبر احتجاجاتها الغاضبة والصاخبة والمتنقلة بين المدن الإيرانية وتصرخ بأنها أولى من غزّة ولبنان. فقد فات هذا القائل أن طروحات اللهيان السخيّة والنظريّة في لبنان هي استثمار للتمويل العسكري الذي ضخته ايران طوال عقود ثلاث لإنشاء جيوشها الستة وعلى رأسهم حزب الله، وقد حان وقت قطاف عوائد هذا الاستثمار الذي عرضه اللهيان بصيغة التعاون المشترك مع «الحكومة او الحزب». وفي هذا إشارة ايرانية بليغة بأن ما ترفضه حكومة ميقاتي الماكريسية سينفذه حزب الله تماماً وبكيفية مشابهة لصيغة استجلاب سفن الوقود وصهاريج المازوت وهي تخترق البيئات والمناطق اللبنانية كافة ليجري تخصيب أصواتها سريعاً في الانتخابات النيابية المقبلة، تماما كما يجري تخصيب مثل هذه الأصوات في الإنتخابات العراقية.

لكن لقاءات اللهيان الاستراتيجية، هي تلك التي عقدها مع زعيم حزب الله والذي سيتحدث اليوم باستفاضة واسهاب عن مشروعات ايران الاقتصادية «لفك الحصار عن لبنان»، وأيضاً تلك التي عقدها مع قادة حركتي حماس والجهاد والتي لم يرشح أن قادتها عبّروا عن سخطهم وغضبهم جراء اعتبارهم كاثنين من الجيوش التي أسّسها قاسم سليماني للدفاع عن ايران وفقاً لما صرّح به قائد «مقر خاتم الأنبياء» الجنرال غلام علي رشيد، ثم حذفته وكالة «مهر» عن موقعها دون التراجع والاعتذار عن مضمونه بسبب الإحراجات مع الحركتين الفلسطينيتين حصراً.

وفيما لم يخرج عن حركة حماس بيان رسمي بالخصوص، فقد أصدرت حركة الجهاد مدفوعة بالحرج الذي صوّرها أشبه بمرتزقة وبندقية للايجار تدافع عن ايران بياناً قالت فيه «أن تحالفها مع الجمهورية الإيرانية الإسلامية في مواجهة اسرائيل واحتلالها لفلسطين، ولا يرتبط بأي أهداف أخرى». لكن ما حاولت الجهاد أن تنكره، فضحه حساب ذراعها التلفزيوني قناة «فلسطين اليوم» على تويتر. إنه الحساب الذي يقرّ في ترويسته المثبتة تحت اسم القناة، أنه وسيلة إعلام تابعة لدولة ايران. ربما تبرير قناة الجهاد أنها تحاول من خلال تبعيتها التويترية لايران الالتفاف على محاولات إغلاق مواقعها الإنترناتية من قبل الأميركيين، متناسية أن إقفال حساب دونالد ترامب على تويتر سبق خروجه من البيت الأبيض.

وفي حين لم تحظى رباعيات اللهيان وطروحاته الاقتصادية لبنانياً بالاهتمام العربي والدولي المطلوب، رغم الإعلان عن زيارة مساعدة وزير الخارجية الاميركية فيكتوريا نولاند الى بيروت الجمعة المقبل للقاء المسؤولين وبعض مجموعات المجتمع المدني المنشغلة في التحضير للانتخابات النيابية المقبلة، فإن ما استأثر الاهتمام بكلام عبداللهيان مسألتان.. الأولى، هي تلك المرتبطة بالحوار الإيراني السعودي الذي يحتاج بحسب عبداللهيان الى مزيد من الحوار. والثانية، اعلان اللهيان استعداد بلاده لمواصلة المفاوضات النووية في فيينا.

انهما المسألتان الجوهريتان اللتين في ضوئهما يرسم مستقبل المنطقة في لحظة شديدة التعقيد والتوتر خصوصاً بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان وتداعياته التي لم تبدأ بعد، سيما اذا ما استتبعته واشنطن بالانسحاب من سوريا والعراق حيث تتخبّط فرنسا الماكرونية تارة مع الجزائر التي يبدو أنها بصدد استصدار تشريع لتجريم الاستعمار، وطوراً مع تركيا في تقاسم النفوذ والطاقة شرقي المتوسط، وتحاول عبثاً في محاولة تعبئة الفراغ الأميركي، فيما بيار دوكان منسق المساعدات الفرنسية للبنان والذي تزامن وجوده في بيروت مع زيارة عبداللهيان يقفل عائدا بوجوم مشابه لوجوم ميقاتي الى باريس مخلفاً وراءه تحذيرات جافة لحكومة الميقاتي جرّاء تأخرها في الشروع بتنفيذ الاصلاحات وفي طليعتها التوقيع على اتفاقية مع فرنسا لاعادة إعمار مرفأ بيروت الهدف المشترك والمتنافس عليه مع المانيا وايضا مع ايران.

وحتى ذلك الحين يسير لبنان على إيقاع رباعية اللهيان تارة، وحسن نصرالله المرجح أن يحول ثلاثيته الذهبية الى رباعية ستسعى لاعلان انتصار النيترانيوم على القاضي طارق البيطار.