كتب خيرالله خيرالله في العرب اللندنية:
صدق من قال إنّ لا حدود للإفلاس اللبناني، وهو إفلاس عبّرت عنه زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان لبيروت وضواحيها لتأكيد مدى سيطرة “الجمهوريّة الإسلاميّة” على البلد. إنّه إفلاس على كلّ المستويات تسببت به حال القحط الفكري والثقافي والسياسي يعاني منها لبنان.
تكمن الأهمّية الوحيدة لـ”العهد القويّ” في أنّه يستطيع التفوق يوميّا على نفسه في مجال الإفلاس، خصوصا أنّ رئيس الجمهوريّة ميشال عون لم يدرك يوما، لا هو ولا صهره جبران باسيل، معنى أن يصبح “حزب الله” من يقرّر من هو رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة. هذا عهد يخاف ولا يستحي. يخاف من “حزب الله”، الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني.. ولا يستحي من اللبنانيين بعد كلّ المصائب التي تسبّب بها، بدءا بالكهرباء وصولا إلى الهجرة والتهجير وفقدان الدواء، مرورا بطبيعة الحال بانهيار النظام المصرفي اللبناني وتفجير مرفأ بيروت!
لعلّ آخر نكتة سمجة خرج بها “العهد القويّ” من أجل تأكيد درجة إفلاسه بيان صادر عن رئاسة الجمهوريّة يهنّئ به شابا أرمنيا من أصل لبناني يدعى آرديم باتابوتيان حصل على جائزة نوبل في الطب. لا دخل للبنان الحالي، لا من قريب ولا من بعيد بهذا العالم الذي درس في ثمانينات القرن الماضي في الجامعة الأميركيّة في بيروت، لكنّه ما لبث أن هاجر من البلد بعد تعرّضه لمحاولة خطف عن طريق إحدى الميليشيات. من أجل التأكّد من ذلك، يمكن مراجعة حديث أجرته الزميلة “الشرق الأوسط” مع العالم الأرمني اللبناني. كلّ ما في الأمر أنّ حائز جائزة نوبل هرب من لبنان لا أكثر ولا أقلّ. حقّق الإنجاز الذي حقّقه لأنّه ذهب إلى الولايات المتحدة ولم يبق في لبنان، الذي تحوّل منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي، بفضل “حزب الله” وأدواته، إلى أرض طاردة لأهلها.
إن لم تستح، افعل ما شئت. ذلك هو الشعار الحقيقي للعهد، الذي هو في الواقع “عهد حزب الله” الذي بات يعتقد أن العالم، بما في ذلك فرنسا، استسلم أمامه في لبنان. يمكن إعطاء دليل على ذلك تشكيلة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي لا يتجاوز عدد الوزراء الذين يمتلكون حدّا أدنى من الكفاءة أصابع اليد الواحدة. هناك بالكاد ثلاثة أو أربعة وزراء يصلحون لأن يكونوا وزراء وليس مهرّجين من سقط المتاع يتباهون بالمجازر التي يرتكبها النظام السوري في حقّ أبناء شعبه.. وبحملات تهجير تستهدف تغيير طبيعة التركيبة الديموغرافيّة لسوريا خدمة للمشروع التوسّعي الإيراني!
يبحث “العهد القويّ” عن إنجازات غير موجودة، سوى في الخيال، كي ينسبها لنفسه. من يتذكّر أن رئيس الجمهوريّة بشّر اللبنانيين قبل أشهر بأنّ بلدهم صار “بلدا نفطيا”؟ تبين، مباشرة بعد الخطاب الرئاسي المضحك المبكي الذي ينمّ عن استخفاف بعقول الناس، أن لا نفط ولا غاز ولا من يحزنون في الوقت الحاضر. هذا لا يعني أنّ لا غاز ولا نفط في لبنان بمقدار ما يعني أنّ هذا العهد يجهل كيف الاستفادة من هذه الثروة وشروط مثل هذه الاستفادة.
يرفض “العهد القويّ” فهم لماذا غادر العالم الأرمني اللبناني الحائز على جائزة نوبل لبنان. يرفض فهم لماذا ما زال يدفع بكلّ شاب لبناني إلى السعي إلى مغادرة لبنان. لا يريد فهم أنّ رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي هو الوحيد بين أفراد الحكومة وبين الذين في مواقع المسؤولية الذي يعرف العالم وكيف تبنى شبكة المصالح بين الدول والشركات. يعرف ميقاتي على سبيل المثال وليس الحصر، كيف يمكن إعادة الحياة إلى الكهرباء في حال كان مطلوبا تحقيق ذلك بعيدا عن السمسرات والرشاوى والفساد بكلّ أنواعه.
مهزلة المهازل أنّ رئيس الجمهوريّة يتصرّف وكأنّ شيئا لم يحدث في لبنان. يتجاهل حتّى أن اللقاء الأهم الذي أجراه عبداللهيان في لبنان كان مع حسن نصرالله الأمين العام لـ”حزب الله”. لا يستوعب أنّ مجرّد توفيره غطاء للسلاح المذهبي وغير الشرعي لـ”حزب الله” يعني، بين ما يعنيه، عزلة عربيّة ودوليّة للبنان.
لن تستطيع فرنسا، التي تعاني من مشاكل لا يحصى عددها، شيئا من أجل جعل العالم يساعد لبنان. يعود ذلك إلى سبب في غاية البساطة. لا يوجد عربيّ لا يعرف أنّ لبنان تحوّل بفضل “العهد القويّ” إلى رهينة إيرانيّة ولا شيء آخر غير ذلك. أمّا على الصعيدين الأوروبي والأميركي، فلا يوجد مسؤول مقتنع بأنّ في استطاعة الحكومة الحاليّة القيام بأيّ نوع من الإصلاحات المطلوبة. في النهاية، لدى “حزب الله” أجندة خاصة به لا علاقة لها بمصلحة لبنان. في الوقت ذاته، لا يستطيع “العهد القويّ” سوى الانصياع لما يريده الحزب الذي لا يرى سوى مصلحة “الجمهوريّة الإسلاميّة” الإيرانيّة.
ليس صدفة أن يكون أوّل ما قام به رئيس الجمهوريّة، بعد كارثة تفجير مرفأ بيروت، قطع الطريق على تحقيق دولي في الكارثة. لا شيء مطلوبا من العهد سوى إفشال التحقيق وإدخاله في زواريب السياسات الصغيرة بدل البحث جدّيا في تحديد الجهة التي جاءت بنيترات الأمونيوم إلى مرفأ بيروت. مطلوب التغطيّة عن الجهة تلك وعن ظروف تخزين الأمونيوم سنوات طويلة في أحد عنابر المرفأ.. فضلا عن تفادي كشف كيف كانت كميات من هذه المادة تخرج من العنبر تعويضا عن عجز النظام السوري بعد صيف العام 2013 عن استخدام السلاح الكيميائي في حربه على شعبه.
يستطيع ميشال عون إرسال كلّ نوع البرقيّات إلى جميع الحائزين على جائزة نوبل. يستطيع أيضا توزيع كلّ الأوسمة التي يريد على أيّ كان. لكنّه لا يستطيع تحقيق أي إنجاز ينزل في كتاب التاريخ، بقي ست سنوات أو أكثر في قصر بعبدا.. أم لم يبق في القصر.
إنه عاجز عن الاقتناع بأن الأوهام، من النوع الذي تحدّث عنه وزير الخارجيّة الإيراني في بيروت، تبقى أوهاما. يبقى السراب، مثل بناء إيران معامل كهرباء في لبنان، سرابا. تبقى النكات السمجة نكاتا سمجة. ثمّة ثمن لن يدفعه المسيحيون وحدهم. سيدفع جميع اللبنانيين ولبنان نفسه هذا الثمن أيضا، بعدما أصبح رئيس الجمهوريّة الماروني غطاء للاحتلال الإيراني للبنان وضمانة له!