كتب معروف الداعوق في “اللواء”:
العتمة الشاملة التي تعمُّ لبنان، وتشلُّ حياة اللبنانيين، بعد انطفاء معامل الكهرباء في كل المناطق، تفضح عهد الرئيس ميشال عون الكارثي بالكامل، وتكشف سوء اداء، وفساد ولي عهده النائب جبران باسيل، الذي تولى مهمة وزارة الطاقة لاكثر من عشر
سنوات، مباشرة، اوبواسطة مستشاريه العونيين، واستنزف خلالها عشرات مليارات الدولارات، بحجة النهوض بقطاع الكهرباء تارة، اولتحسينه طورا، او بحجة بناء معامل جديدة، بقي معظمها في عالم الوعود، وما الى هنالك، من خطط حديثة وهمية، بدأت مع وعد قاطع، بتأمين التيار الكهربائي للمواطنين، اربع وعشرين ساعة على أربع وعشرين يوميا، وعلنا امام كل وسائل الإعلام. وانتهى الوعد العوني الكاذب بعد هذه السنوات، بحقيقة عكسية مفجعة، باربع وعشرين ساعة على أربع وعشرين ساعة عتمة شاملة، تلفُّ لبنان كله.
في ضوء هذا الواقع الماساوي الصعب، يتذكر اللبنانيون بحسرة، انهم كانوا ينعمون بالتيار الكهربائي، بخمسة عشر ساعة يوميا واكثر في بعض المناطق الاخرى، قبل تولي باسيل وزارةالطاقة، والان بعد كل هذه الاعوام الطويلة، التي هيمن فيها على الوزارة، لم يبق عندهم، حتى ساعة كهرباء واحدة يوميا.
وللمصادفة والمفارقة، المفرحة والمحزنة في ان واحد. المفرحة، بما اعلنه منذ ايام، رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، ان قطاع الطاقة الكهربائية في مصر، شهد نهضة، وتطورا مهما مؤخرا، وقال، الكل يعلم، ما كان عليه وضع الكهرباء في العام ٢٠١٤، وقد نجحنا، في غضون، سنتين وثلاث سنوات، بتحقيق انجاز مهم ونقلة نوعية، تمثلت بالنهوض بالقطاع وتحقيق انجازات كبيرة وتأمين الكهرباء، للشعب المصري على جميع الاراضي المصرية، شاكرا الجهود التي بذلها وزير الكهرباء على هذا الإنجاز.
اما المحزن والمؤسف، بهذه المفارقة، فهو ما وصل اليه قطاع الطاقة الكهربائية في لبنان، في هذا الوقت بالذات، من تدهور مخيف، في ظل ادارة التيار الوطني الحر لهذا القطاع، على مدى اكثر من عقد من الزمن، في حين يلاحظ، انه مايزال ممعناً بهذا الاداء السيء، برغم هذا الفشل الذريع الذي مني به.
وبالطبع، لا يمكن المقارنة، بين اداء ومسؤولية، وزير الطاقة الكهربائية المصري المهنية، بادارة قطاع الطاقة، وبين الاداء المزري لباسيل وفريقه السياسي بادارة قطاع الكهرباء للسنوات الطويلةالماضية. لان النتائج وحدها على ارض الواقع، هي التي تحدد مدى معايير النجاح او الفشل.
فماحققه قطاع الطاقة الكهربائية المصري من تطور، يدل على مدى نجاح الوزير المصري بمهمته، في حين، يؤشر تدهور حال قطاع الطاقة الكهربائية في لبنان، الى فشل ذريع لباسيل بمهمته، برغم كل الفرص التي أتيحت له، اكثر من مرة، والامكانيات المادية الكبيرة التي اهدرها بلا طائل.
وبمقارنة بسيطة بما تم صرفه من اموال، للنهوض بقطاع الطاقة، منذ تسلم رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل لوزارة الطاقة وحتى اليوم، وما صرف منها على شراء الفيول، وايجار البواخر التركية وما سمي بتحديث الشبكة، وما الى هنالك من مصاريف، مرئية ومخفية، ومهدورة، هي اقل بكثير مما صرف على تأهيل الطاقة الكهربائية في مصر، برغم التفاوت الكبير بالمساحة وعدد السكان، لوجود قيادة رشيدة ومسؤولة هناك، وكان بالامكان، صرف الاموال المهدورة اوجزء صغير منها في بناء افضل محطات الطاقة الكهربائية الحديثة في لبنان وتأمين الكهرباء للبنانيين بأسهل السبل، ولكان تم توفير الاموال الطائلة، ولما وصلنا الى الحالة الكارثية للكهرباء كما هي في الوقت الحاضر.
وبالمناسبة، وبالتزامن مع الاداء الفاشل للتيار العوني لوزارة الطاقة، من كل النواحي، من فضائح البنزين وصفقاته، الى الغاز والمازوت، فالعتمة الشاملة، تكشف الخلل بالوزارة أيضا، باستمرار، سوء الاداء الإداري للوزارة، من اعلى الهرم حتى أدناه، وكأن هناك ارتباطا وثيقا، بين الفشل السياسي والاداء الاداري السيء على مختلف المستويات، ناهيك عن استغلال توزيع التيار الكهربائي ،في الصراعات السياسية، والمفاضلة بين المناطق، استنادا للتوجهات السياسية التي تتحكم بالوزارة، وفي اطار تصفية الحسابات والمكايدة السياسية، التي يمارسها رئيس التيار الوطني الحر ضد خصومه، كما يحصل مع العاصمة بيروت تحديدا، ومناطق اخرى، وحرمانها، من الحد الادنى من تزويدها بالتيار الكهربائي.
وآخر امثلة هذا الاداء المتردي، لادارة المؤسسة، مطالبتها المواطنين في العاصمة بيروت، بدفع ما يتوجب عليهم من مبالغ مالية متراكمة، عن آخر ثلاثة اشهر من العام الفين وتسعة عشر، دفعة واحدة، اي بتأخير الجباية المطلوبة، لمدة سنتين كاملتين.
الى، ماذا، يدل هذا التصرف؟يدل على تلكؤ وتأخير المؤسسة في جباية الاموال العائدة لها، حتى هذا التاريخ، ومراكمتها، انما هو اهمال ملحوظ، وتصرف غير مبرر وغير مسؤول على الاطلاق، ويلحق الضرر بالمؤسسة، التي تشكو وتتذرع بقلة الاموال لديها وتلجأ للاستدانة باستمرار، قبل تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية وبعده، واكبر دليل على ذلك، حجم الأموال المتراكمة عليها، طوال الأعوام الماضية. اما الامر المهم الاخر، فهو الاستمرار في اعتماد آلية الجباية العادية التقليدية، بينما يتطلب الامر، التحول الى الدفع الالكتروني المعتمد في العديد من الوزارات والمؤسسات العامة الاخرى منذ مدة، لانه أسهل وأسرع على المواطن واجدى للمؤسسة معا.
فاذا كانت، الجباية المالية لمستحقات المؤسسة، تتم على هذا المنوال، ولم يتم تحديثها، فكيف تتصرف الادارة، بأمور ومسائل اخرى، لا تقل أهمية بادارة قطاع الطاقة الكهربائية من كل النواحي.
هذه الاخفاقات، والفشل بادارة المؤسسة، توجب، اليوم قبل الغد، اتخاذ الإجراءات والتدابير السريعة، لمباشرة سلسلة الاصلاحات المطلوبة في المؤسسة، من ضمن العملية الاصلاحية المطروحة، لان المبررات والحجج الواهية، لم تعد تنفع لاخفاء الحقيقة، والذرائع المزيفة، لا تفيد للهروب من مسؤولية الفشل وسوء الاداء، وطمس حجم الهدر والسرقات التي ارتكبت وترتكب في هذه الوزارة على «عينك، يا تاجر»، لان النتيجة واضحة بالعتمة الظلامية، التي تفضح العهد كله، والادارة الحالية.
لم يعد بالامكان لباسيل وتياره، إلصاق تهمة الفشل الذريع بالكارثة التي وصل اليها التيار الكهربائي، بخصومه السياسيين، بحجة «ما خلونا نشتغل» السخيفة، او التلطي وراء ما يسمونه زوراً «السياسات السابقة»، وهي بالمناسبة، كانت افضل بمائة مرة من سياسات» العهد القوي» الكارثية بالصوت والصورة، حتى بشهادة بعض المقربين المنتفضين.
فاذا كانت الحجج او الشعارات الفارغة التي يبرر فيها فشله صحيحة، وهي ليست كذلك على الاطلاق، فلماذا لم يستقل باسيل من وزارة الطاقة مثلا، او يترك مسؤولية إدارتها لأي طرف سياسي اخر، وبقي متشبثا بها، بكل قوة العهد وسلطته، حتى الساعة، ولماذا عطل كل محاولات وشروط إصلاح وزارة الطاقة، المنصوص عليها في مؤتمر «سيدر»، منذ سنوات، وافشل معها، حصول لبنان على القروض والمساعدات المالية، للنهوض بالاقتصاد اللبناني؟.
الجواب، باختصار، لان الوزارة تبيض ذهباً، والاصلاحات الملحوظة، تقفل ابواب الهدر والسرقات، وتقطع دابر الفساد الذي ادرج على لائحته باسيل اميركياً، وبالتالي، لا يهمه نجاح الاداء، او بقاء المواطن بلا كهرباء، كما حاله اليوم، في ظل غياب اي محاسبة فاعلة ومؤثرة، او عدم وجود، من يستطيع، أن يغيّر الواقع القائم، كما يحصل حاليا.ولذلك، بات المواطن وحده، هو الذي يدفع الثمن. ما يهم رئيس التيار الوطني الحر حاليا بالفعل، هو الاستمرار في الإمساك بوزارة الطاقة، مهما كلف الامر. وابلغ دليل على ذلك، هو اصراره المكشوف على الالتفاف على المبادرة الفرنسية، والتشبث بهذه الوزارة وتسمية الوزير الحالي من المنظومة العونية بنفسه، بدون اي مواربة. بينما، يلاحظ ان أداء الوزير الجديد المتخبط، يمينا وشمالا، لا يؤشر الى تغيير جذري بالاداء، او الخروج عن سكة باسيل المعتادة، الا بهامش بسيط، وهذا يعني إطالة امد عذابات المواطنين، واستمرار سياسة العتمة الحالية وآلية الترقيع المعتمدة بإدارة الكهرباء، استجداء لهبة من هنا، اواستجرارا لطاقة مستعارة هناك، او توسلا لمساعدة ما، واستحالة اجراء اي إصلاحات اساسية مطلوبة طوال العهد الحالي، ما دام الكذب عنوانا، يغطي على الحقيقة في سياسة باسيل وتياره، والفساد مستشريا على قدم وساق، والمحاسبة الحقيقة مفقودة.