كتب ألان سركيس في نداء الوطن:
دخلت البلاد مدار الانتخابات النيابية وبات كل قرار يتخذ أو نشاط يرتبط ارتباطاً وثيقاً بما يخدم مصلحة هذا الفريق أو ذاك إنتخابياً.
لم يبدأ ضجيج الإنتخابات فعلياً على الأرض لكن الصالونات تعجّ بالكلام والحديث عن مرشحين محتملين وعن تحالفات قد تبرم في وقت متقدّم، وعن تغيير في مزاج الشارع ومحاسبة آتية لا محال في صناديق الإقتراع.
وتكتسب العاصمة دائماً نكهتها الإنتخابية الخاصة، فبعد دخول الرئيس رفيق الحريري عالم السياسة ومن ثم استشهاده في 14 شباط 2005 بسط تيار “المستقبل” سيطرته الإنتخابية من دورة 1996 إلى دورة 2009، وبقي “المستقبل” القوة شبه الوحيدة المسيطرة على العاصمة حتى انتهاء ولاية مجلس 2009 في انتخابات 2018.
وحتى بعد إقرار قانون القضاء في الدوحة عام 2008 وجعل الأشرفية والرميل والصيفي دائرة واحدة، بقي “المستقبل” مسيطراً على الدائرة المسيحية في العاصمة، لأن “القوات اللبنانية” لم ترد فتح معركة داخل 14 آذار لأجل مقعد نيابي، وأتت النتيجة حينها بمرشح “الكتائب” نديم الجميل و4 مرشحين مسيحيين إنضموا إلى تكتل “لبنان أولاً” برئاسة سعد الحريري وهم: نايلة تويني وميشال فرعون وسيرج طورسركيسيان وجان أوغاسبيان، ما أثار حفيظة الأطراف المسيحية وحتى بعض الشخصيات السنية مثل الناشط صالح المشنوق الذي قال إنه من غير العدل أن تحرم “القوات” من مرشح في عرينها الأشرفية.
قلب القانون النسبي كل المعايير، وقُسمت بيروت إلى دائرتين، الأولى تضم 8 مقاعد، 4 أرمن وأرثوذكسي وماروني وكاثوليكي وأقليات، والدائرة الثانية تضم 11 مقعداً تتوزع كالآتي: 6 سنة، 2 شيعة، ومقعد لكل من الدروز والإنجيليين والأرثوذكس.
وتتجه الأنظار بشكل كبير إلى الدائرة الثانية في العاصمة لأنها تُحدد بوصلة الزعامة السنية ولأن المجتمع المدني ينشط في العاصمة، وفي آخر إنتخابات نيابية حصد “المستقبل” 4 مقاعد سنية ومقعداً مسيحياً، وفاز “الثنائي الشيعي” بالمقعدين الشيعيين، وحصد كل من “التيار الوطني الحر” و”الأحباش” و”الإشتراكي” مقعداً واحداً لكل منها كما فاز النائب فؤاد مخزومي.
وتبدلت الظروف في هذه الدورة المرتقبة، فالرئيس سعد الحريري لم يعد بالقوة نفسها، وهناك غضب خليجي وسعودي تحديداً عليه، في حين الجميع ينتظر ما سيفعله شقيقه رجل الأعمال بهاء الحريري، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فان الأنظار تتجه بشكل أساسي إلى بقية التحالفات السياسية في الدائرة وكيف ستبرم ومن سيكون المرشح على هذه اللائحة أو تلك.
ويبقى الأساس والأهم أن بيروت تغيّرت كثيراً مثل كل لبنان، وقد تكون تجربة “بيروت مدينتي” في انتخابات 2016 البلدية حاضرة في الدائرة الثانية للعاصمة هذه المرة، وسط التململ الشعبي الذي خلفته الأزمة الإجتماعية والإقتصادية وإذلال الناس أمام محطات الوقود والأفران والصيدليات، وكل ما رافق وسيرافق هذه الفترة من درب جلجلة كبير.
ومن جهة أخرى، فان التعاطي مع إنفجار مرفأ بيروت هو النقطة الأهم التي بدّلت مزاج الرأي العام وكشفت وقاحة الطبقة السياسية، خصوصاً أن عدداً من القوى السياسية على رأسها تيار “المستقبل” و”حزب الله” وحركة “أمل” و”المردة” تحاول ضرب التحقيق في انفجار المرفأ وتعطيل سير العدالة.
من هنا فان كل هذه العوامل تلعب دورها في تحديد مسار الإنتخابات المرتقبة، خصوصاً أن بيروت الثانية تعتبر مركز قوة تيار “المستقبل”، وهو الذي يواجه العدالة وأهالي الشهداء وحراك المجتمع المدني في العاصمة التي دُمرت إقتصادياً وسياسياً وجغرافياً ونفسياً.
قد يغفر البيارتة للحريري على تراخيه في بعض المراحل، لكن وصوله إلى حدّ الوقوف في صف “حزب الله” لعرقلة العدالة أمر لا يمكنهم أن يستوعبوه وقد يؤثر على تصويتهم، وبالتالي فان المعركة في بيروت ستكون من الأصعب على القوى السياسية وعلى رأسها “المستقبل” لأن مواجهة أهالي الشهداء لن ترحم أحداً، فكما وقف أهالي بيروت وكل لبنان إلى جانب الحريري عند استشهاد والده ودعموا ومولوا المحكمة الدولية من جيوبهم، إنتظروا ان يقف إلى جانبهم بعد إنفجار المرفأ، لكنه دخل في حسابات سياسية وطائفية لحماية المتهمين، لذلك فان هذا الأمر سيشكل عنصراً مهمّاً في الإنتخابات المقبلة، إضافة إلى أن بيروت بشقها الغربي، اي الدائرة الثانية، أكلت كفّاً من “حزب الله” في 7 أيار ولم تنسَ، من هنا فان مسايرة من كان زعيم السنّة لـ”الحزب” ستكون لها إرتدادات سلبية.