كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
أيام قليلة ويطفئ العهد شمعته الخامسة، ليدخل مدار سنته الأخيرة. سينتهي عهد ميشال عون من دون أن يتمكن من تأليف “حكومته”. بالمعنى الذي قصده العونيون حين غسلوا، في كلّ مرة، أيديهم من حكومات العهد الأربع: حكومتا سعد الحريري، حكومة حسان دياب، وحكومة نجيب ميقاتي. الأربع، على اختلاف تركيباتها وطبيعتها، لم تتمكن من الاستحصال على “أبوة” رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، ليتبنّاها ويعترف بأنّها حكومة العهد!
وها هو العهد يقضي آخر أسابيعه، ويعدّ آخر أوراق روزنامته من دون أن يتمكن من تأليف حكومة تحمل هويته واسمه ومشروعه. ولهذا، يتصرف باسيل مع حكومة ميقاتي على أنّها فرصته الذهبية لإنجاز ما عجز عن تحقيقه في الحكومات الثلاث السابقة، ولو أنّ العونيين لا يزالون حتى اللحظة يصرّون على أنّهم “أبرياء” من دماء حكومة القطب الطرابلسي وغير معنيين بأي من الوزراء الذين سمّاهم، “نظرياً” رئيس الجمهورية، وفعلياً، هو باسيل من قام بهذه المهمة، بدليل ما أدلى به وزير الداخلية بسام المولوي على الهواء مباشرة.
لا بل أكثر من ذلك، ثمة من يذهب إلى حدّ التأكيد أنّ ميقاتي نسج تفاهماً شاملاً مع باسيل قبيل الاتفاق على الحكومة وتركيبتها، وهذا ما يردده بعض حلفاء رئيس الحكومة، وهو كلام لا يتردد ميقاتي في البوح به أمام أصدقائه من دون الغوص في التفاصيل، لكنه يجزم بأنّه اضطر إلى التفاهم على الكثير من القضايا التي ستتولاها الحكومة، وهي ليست بكثيرة، ومنها على سبيل المثال التعيينات.
في الواقع، ثمة من يقول إنّ باسيل مهجوس بملف التعيينات، ويعتقد أنّ هذه الحكومة قد لا تتمكن إلا من القيام بمسألتين، لا ثالثة لهما: الانتخابات النيابية، والتعيينات على تنوّعها، من قضائية وديبلوماسية وإدارية وعسكرية وأمنية. أما بقية الملفات الحيوية، الإصلاحية بالذات، فدونها أكلاف كبيرة ستتكبدها المنظومة السياسية من كيسها، وقد لا تقدم عليها عشية الاستحقاق النيابي. ولهذا قد يرحّل توقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي إلى ما بعد الانتخابات لتبدأ معه مرحلة جديدة من الشروط المالية والاقتصادية بعد أن تكون المنظومة القائمة قد ضمنت بقاءها على الكراسي. ولهذا، سيجيّر باسيل كل جهوده وضغطه في سبيل تمرير أكبر عدد من التعيينات، ليعبر مرحلة ما بعد ميشال عون مدججاً بجيش من “الأزلام” في الإدارة اللبنانية والسلك الديبلوماسي، القضائي والأمني… وها هو وزير العدل هنري خوري يستعجل لتحضير مرسوم استكمال أعضاء مجلس القضاء الأعلى، وهو مرسوم لا يحتاج لعرضه على مجلس الوزراء، وإنما يتمّ توقيعه من كلّ من الوزير المختص، رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية.
بالتوازي، تفيد المعلومات بأنّ باسيل لم يضيّع طوال الفترة الماضية، وقته وإنّما انكبّ على اجراء “الاختبارات” لكل المرشحين من جانبه لملء الشواغر في التعيينات، ويتردد أنّه حضّر أكثر من ستين ملفاً، باتت جاهزة على طاولته لطرحها على النقاش السياسي حين يفتح بازار التعيينات. اللافت، أنّ هذه الملفات لا تقتصر فقط على مرشحين لمواقع محسوبة على مسيحيين، وإنما ثمة مواقع محسوبة على الطوائف المسلمة أيضاً… علّ قاعدة “ما لي لي، وما لكم لي ولكم”، كما يقول أحد المتابعين للملف.
هذه الخلفية بالذات، تثير المخاوف في أذهان شركائه الحكوميين، وتحديداً من جهة رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية، على اعتبار أنّ باسيل سيكون أشبه بـ”قاشوش” يأكل أخضر التعيينات ويابسها اذا لم يتمّ التصدي له، خصوصاً وأنّ “المردة” هو الفريق المسيحي الوحيد الموجود قبالته على طاولة مجلس الوزراء، فيما رئيس الحكومة سيتصرف بكثير من “التقية السياسية” معه، ويتجنّب التصادم، وبالتالي ستترك قيادة المواجهة للثلاثي السابق ذكره.
كما تفيد المعلومات بأنّه من المتوقع أن يكون ملف التعيينات في الجامعة اللبنانية، أول الملفات المطروحة على بساط البحث لحسم تعيين رئيس للجامعة على اعتبار أنّه في 13 من شهر تشرين الأول الحالي تنتهي ولاية رئيسها الدكتور فؤاد أيوب الذي سارع إلى فتح باب الترشح، ليسلم وزير التربية عباس الحلبي الطلبات المستوفية للشروط. فوفق القانون على حلبي اختيار خمسة أسماء يرفعها بدوره إلى مجلس الوزراء لاختيار رئيس الجامعة. كذلك، أصدر أيوب تعميماً لفتح باب الترشيح لاختيار عمداء جدد في كليات الجامعة اللبنانية، وعددهم 19 (عشرة مسيحيين وتسعة مسلمين)… وهذا ما أدى إلى إثارة “جدل خلفيّ” حول أولوية التعيينات.
اذ أنّ باسيل يشترط وفق المعلومات أن تكون الانطلاقة من تعيينات العمداء، فيما يريد الآخرون أن تكون البداية من رئاسة الجامعة، مع العلم أنّ ثمة اشكالية حول آلية اختيار العمداء. ولكن بمطلق الأحوال، فقد يكون ملف الجامعة اللبنانية نموذجاً لما ينتظر الحكومة من معارك بين أهل البيت الواحد حول التعيينات المنتظرة.