Site icon IMLebanon

المرتضى في افتتاح قلعة صيدا: سنبرز للعالم وجه لبنان الحضاري

أزاح وزير الثقافة محمد المرتضى، صباح اليوم، الستار عن لوحة انجاز ترميم قلعة صيدا البرية الذي مولته الحكومة الايطالية عبرالوكالة الايطالية للتعاون الانمائي، ونفذه مجلس الانماء والاعمار ايذانا بافتتاحها، في حضور سفيرة ايطاليا نيكوليتا بومباردييري، والنواب: بهية الحريري، أسامة سعد، وابراهيم عازار، رئيس مجلس الانماء والاعمار نبيل الجسر، المدير العام للمديرية العامة للاثار في وزار ة الثقافة الدكتور سركيس خوري، مديرالوكالة الإيطالية للتعاون الإنمائي لوكا مايسترييبييري، رئيس بلدية صيدا المهندس محمد السعودي، الملحقة الاعلامية في السفارة الايطالية مادونا الحكيم، نائب رئيس المكتب السياسي لـ”الجماعة الاسلامية” الدكتور بسام حمود، والمسؤول عن منطقة صيدا في “حزب الله” الشيخ زيد ضاهر وحشد من الشخصيات.

افتتح الاحتفال بعزف النشيدين اللبناني والايطالي، فكلمة للسعودي رحب في مستهلها بالحضور، وقال: “مدينة صيدا، المدينة التي تحتضن عبق أكثر من 4000 عام من التاريخ، والذي يتكشف معنا كل يوم، حقبة من حقباته سواء في الحفريات الأثرية المنظمة، أو حتى احيانا من طريق الصدفة في موقع بناء هنا أو حفرية هناك.كل موقع وكل حجر من احجار المدينة القديمة، لديه حكاياه وخفاياه، والتي ان قدر لها ان تتكلم، لملأت ملايين الصفحات من كتب التاريخ”.

وأشار الى ان “القلعة البرية التي نقف امامها اليوم لو قدر لها أن تتكلم، لتحدثت ربما عن صلابة أهل المدينة في وجه غزاة قهرتهم على اسوارها، وكان اخر نصيب للقلعة منه صاروخ من طيران العدو الاسرائيلي استهدفها في اجتياح 1982. ولعلها كانت لتتحدث عن كثير من ايام الخير التي عاشتها المدينة، لكنها ايضا كانت لتتحدث عن سنوات من الاهمال الذي عانت منه المدينة على المستوى الرسمي، وتركت وحيدة لتقلع شوكها بيديها”.

وأضاف: “قامت البلديات المتعاقبة يدا بيد مع أبناء المدينة عامتهم وخاصتهم، وبالتعاون مع المؤسسات المحلية والدولية والجهات المانحة، كما هي مناسبة اليوم التي ما كانت لتكون لولا هبة ايطالية كريمة بقيمة 849 الف دولار، بالكثير من اعمال التطوير للبنى التحتية في المدينة القديمة، واعمال التنقيب والكشف عن الكنوز التاريخية”.

وتابع: “امام ما يمر به لبنان عموما من ازمة اقتصادية لم يشهد مثلها التاريخ الحديث، وامام كل الخطط التي يتم وضعها لمحاولة النهوض من هذه الازمة، لا بد أن يكون للجانب الثقافي والتاريخي والسياحي نصيب، وخصوصا ان ما لدينا من مقومات في هذا المجال، اضف اليها بعض الاهتمام، يكفي لتمويل نفسه بنفسه لا بل ويفيض الى تنمية القطاعات الأخرى”.

ولفت إلى اننا ” نتطلع في مدينة صيدا، إلى مزيد من الاهتمام الرسمي بالمدينة، والمزيد من الاضاءة على قيمتها التاريخية، وخصوصا أن المدينة على ابواب الانتهاء من الكثير من المشاريع السياحية الحيوية ولا سيما المتحف الذي نقف على بعد عشرات الأمتار منه. ونتطلع الى مزيد من الاهتمام الرسمي لانه سيكون ذا انعكاس كبير على الحركة السياحية في لبنان بشكل عام، وعلى المدينة طبعا بشكل خاص”.

وختم: “لا يسعني امام القلعة البرية بحلتها الجديدة بعد اعوام من الخراب، وعلى رغم ضبابية المشهد اللبناني اقتصاديا وماليا وعلى الصعد كافة، ان اتطلع ببصيص أمل الى مستقبل لبنان، وكلي ثقة بأننا ان عقدنا العزم على اصلاح أمورنا، فلا بد أن يستجيب القدر، لأنه ما زال على ارضنا ما يستحق الحياة”.

من جهته، قال الجسر: “نحتفل اليوم بانجاز اعمال ترميم قلعة صيدا البرية ، هذه القلعة الشاهدة على تاريخ مدينة من اقدم مدن العالم منذ ابحرت عن شاطئها السفن الكنعانية التي جابت هذا البحر ونشرت الثقافة والحضارة”.

واعتبر ان “هذا المشروع هيأ الظروف الملائمة لتحقيق تنمية اقتصادية محلية، بالاضافة الى الحفاظ على الارث الذي تركه لنا اجدادنا”.

وقال: “لقد كان لايطاليا بصمة خاصة في هذا المشروع. ايطاليا بلد الثقافة والفنون على المستوى العالمي. فساهمت في التمويل وفي نقل الخبرات الفنية عبر المهندسين والمعماريين الايطاليين. لقد تكاملت مساهمة ايطاليا في مجال الارث الثقافي مع مساهماتها سواء عبر الهبات او القروض الميسرة في مختلف القطاعات التنموية وابرزها المياه والصرف الصحي وفي القطاعات الاجتماعية والاقتصادية”.

وختم: “من قلعة صيدا، أشكر الدولة الايطاالية الممثلة بسعادة السفيرة الصديقة نيكوليتا بومباردييري وافراد طاقم السفارة والوكالة الايطالية للتنمية الممثلة بالسيد لوكا مايسترييبييري”.

اما السفيرة بومباردييري فأكدت ان “لبنان بلد له تاريخ عظيم وهو مدعو اليوم الى مواجهة تحديات وصعوبات كبيرة. ويمكن أن يشكل غنى تراثه الثقافي أحد الأسلحة للتغلب على هذه التحديات”، لافتة الى ان “الامر يتعلق بقطاع كغيره من القطاعات التي تشهد على التزام إيطاليا الدائم إلى جانب بلد الأرز لبناء مستقبل من التنمية والنمو المستدام”.

وتطرقت الى مراحل عملية ترميم القلعة، فقالت: “أدخلت على مر القرون تعديلات على قلعة صيدا البرية التي نراها اليوم وتضمنت جزءا من الهياكل القديمة كالممر الذي يؤدي إلى المسرح الروماني”، مؤكدة أن “هذا الموقع الأثري سيصبح موقعا ثقافيا لجميع أبناء صيدا”.

ثم عرض خوري لمراحل المشروع الذي نفذته وكالة التعاون الإنمائي بالاشتراك مع مجلس الإنماء والإعمار والمديرية العامة للآثار وأعمال ترميم الموقع الأثري والمنطقة المحيطة به والقاء الضوء عليها.

ولفت الى ان “المشروع جمع الخبرات الإيطالية للحفاظ على التراث الثقافي: جرى أولا مسح للمباني المتبقية وتشخيص للبنى وللمباني التاريخية للقلعة ومحيطها. وحددت الأعمال في المنطقة المعنية بالمشروع بناء على نتائج المسح المذكور”.

وأشار إلى أن “أعمال ترميم المباني الرئيسية المنجزة وتدعيمها وصيانتها تعود الى الحقبة الرومانية والقرون الوسطى، والتي هي جزء من الممر الذي يؤدي إلى المسرح الروماني الموجود داخل القلعة، والبرجين المتبقيين والجدران المحيطة،

وجرى تنظيف الموقع بالكامل وتشييد جدار إسمنتي وأسوار وفتح مدخل جديد ومكتب تذاكر وانشاء مراحيض للزوار”.

وقال الوزير المرتضى: “بعض الأماكن، مثل صيدا، حين تدخلها يراودك الشعور بأنك لا تمشي فوق سطح الأرض بل فوق السنين.

بعض الأماكن، تمتزج حجارتها برائحة تاريخها. كما يمتزج بالوردة عطرها.

بعض الأماكن، ألسنة تنادي العابرين: قفوا نحك”.

واضاف: “لبنان كله على هذا المثال: أرض للحضارات ممر ومستقر منذ فجر الاجتماع البشري، وللثقافات ملتقى ومرتقى على ترامي العصور. مدائن زرعت عند هذا الشاطئ، وعلى الجبال وفي الداخل الفسيح، وأوت إليها الشعوب من شرق وغرب، متفاعلة مع أهلها، في الفكر والإيمان والمعيشة والتجارة، والسلام والصراع والانكسارات والفتوحات، تفاعل أخذ وعطاء، حتى أصبح هذا الفضاء اللبناني المصهر الأول في التاريخ للتعدد الثقافي والتبادل الحضاري البناء.

وما الصرح الذي نفتتحه اليوم إلا صورة حية عن هذه الحقيقة التي عاشتها مدينة راقية تعبق بالتاريخ والحضارات. صيدا العزيزة التي أنشأها الفينيقيون منذ ما قبل الميلاد بقرون كانت درة في تاج كنعان قرب أخواتها المدن التي امتدت ممالكها من أرواد شمالا حتى عسقلان جنوبا. ومنها انطلقت قوافل في البر والبحر بكل اتجاه، حاملة صنائع فينيقيا ومنتوجاتها وأخشاب الأرز من جبال لبنان الشماء إلى الشرق وراء بلاد ما بين النهرين وفارس، وإلى مصر وآسيا الصغرى وبلاد الإغريق والرومان، وسائر موانئ البحر المتوسط، وصولا إلى شواطئ أميركا، بحسب بعض الدراسات، قبل كريستوفر كولومبوس بثلاثة آلاف عام. وتغنت بصيدا القصائد كما فعل صاحب الإلياذة أومير، ولأهميتها وارتفاع شأنها أطلق الكتاب المقدس لقب الصيدانيين على الشعب الفينيقي بأسره. هذه المدينة تداولتها الحضارات الشرقية والغربية في العصر القديم، حتى جاء العرب فحفروا حضارتهم في الروح واللسان قبل الحجر، وظلت صيدا على تعاقب أحوالها تعتنق القيم الإنسانية والدينية والحضارية السامية، وتحتضن بالمحبة كل لاجئ ومحتاج، وتبذل أزكى دماء أبنائها من رؤساء وقضاة وقادة ومناضلين في سبيل عزة الوطن وسيادته وحمايته وانتصار قضاياه”.

وتابع: “اليوم ندخل بوابة الجنوب لإفتتاح هذا المعلم التاريخي الأثري الذي يعود بناؤه إلى العهود الفينيقية الأولى، وإن سمته بعض الكتب مرة قلعة القديس لويس ملك فرنسا وقائد الحملة الصليبية السابعة، ومرة أخرى قلعة المعز لدين الله الخليفة الفاطمي. فإن ما قام به هذان لا يعدو تشييد برج هنا أو ترميم سور هناك، والقلعة أقدم عهدا من كليهما كما تثبت الدراسات التاريخية الموثوقة، وتدل عليه الآثار الباقيات. ولأن التاريخ يعيد نفسه، كما يقال، فإن هذا المعلم التاريخي الأثري الذي بناه الرومان دلالة على استراتيجية موقع هذه المدينة وأهميتها الاقتصادية والعسكرية، يبعث اليوم مجددا إلى النور في أبهى حلة بفضل الدعم الذي قدمته الدولة الإيطالية مشكورة، فكأن روما تعود إلينا في هذا اليوم من بوابة البناء لإحياء ما بيننا من تراث مشترك”.

وقال: “لقد أعيد تأهيل هذه القلعة وتدعيمها بإشراف المديرية العامة للآثار، وبالتعاون والتنسيق مع مجلس الانماء والإعمار، وأنشئ لها مدخل ذو مسارات سياحية، ورممت صالة في داخلها خصصت معرضا للقى الأثرية المستخرجة من حفريات الموقع، بغرض إبراز القلعة البرية بمعالمها التاريخية وسراديبها الدفينة، ما يؤدي كما نرتجي إلى تنشيط الحركة الثقافية والسياحية في هذا المكان، مع واجب المحافظة على إرثنا الثقافي كنزا للأجيال المقبلة”.

وأضاف: “قلعة صيدا البرية التي استعادت نضارة عمرها الطاعن في هذا التراب، رصيفة مثيلاتها من الآثار العريقة كخان الإفرنج، ومتحف الصابون وقصر دبانة المشيد على الطراز العثماني، والسوق بأزقته التاريخية. والقلعة البحرية الرابضة في حضن الموج، كلها عناوين عزة لا تشيخ، وشواهد على صمود مدينة غلبت عوادي الدهر، وهزمت قوى الشر الهاجمة عليها من بر أو بحر”.

وتابع: “لا تحيا أمة تتنكر لماضيها. ولا مستقبل لأبنائها، ما لم يفهموا تاريخهم المضيء والمظلم على السواء ويتعظوا به لأجل البنيان الحسن، ولن يكون ذلك لهم إلا بالتعمق في الوعي المعرفي. وهذا ما نسعى إليه في وزارة الثقافة، مؤمنين بمواهب كل لبناني خلاق مقيم أو مغترب، لكي نبرز للعالم بأسره وجه لبنان الحضاري النير الذي سينهض من كبوته مهما كانت الصعاب. ولا أكتمكم أنه، خلال هذه المدة الوجيزة من عمر الحكومة، لا تكاد تشرق علينا شمس نهار إلا ويردنا خبر عن إنجاز حضاري أسداه للإنسانية نابغة لبناني مغترب، أو جائزة عالمية حازها مبدع من بلاد الأرز، أو سبق ثقافي أو رياضي أحرزه بطل من عندنا. ما يحملني على الثقة بأن العافية الثقافية التي ما زلنا نتنعم بها ستكون مدخلنا الأكيد إلى استرداد عافيتنا الإجتماعية والاقتصادية والمالية، قريبا بإذن الله”.

وقدم الشكر والامتنان الى الحكومة الايطالية “للجهد الكبير والعمل الرائع الذي قامت به لإحياء هذا الإرث الروماني الفينيقي المشترك، وبالأخص سعادة السفيرة نيكوليتا بومباردييري وأعضاء السفارة الإيطالية للاهتمام الخاص والعمل الشخصي الدؤوب الذي أظهروه في متابعة أعمال الترميم، وللدعم الثقافي الذي تقدمه الدولة الإيطالية إلى لبنان”، وقال: “نتطلع معا دائما إلى مزيد من التعاون والتبادل في ميادين ثقافية شتى لاتساع رقعة الآثار الرومانية في أرض لبنان ومنها تلك البقعة الأثرية في بيروت المسكونة، سعادة السفيرة، بحلم تحقيق إنجاز فيها، وهو الحلم المشترك بينها وبين وزارة الثقافة الذي نصبو الى ترجمته قريبا حقيقة حية قائمة على ارض الواقع”.

وشكر ايضا “دعم بلدية صيدا، رئاسة ومجلسا وفعاليات المدينة الكرام، لتعاونهم الوطيد”.

بعد ذلك، ازاح المرتضى والسفيرة والنواب والحضور لوحة انجاز ترميم القلعة، وكانت جولة في أرجائها.

ثم انتقلوا الى المتحف الوطني للآثار المجاور للقلعة شرح خلالها خوري “اهمية هذا الموقع الاثري التي توقفت الاعمال فيه لعدم توفر التمويل املا بمساعي فعاليات صيدا والوزير لانجازه، لما يشكله من اهمية تاريخية لمدينة صيدا ولبنان ككل”.

وختاما كانت زيارة تفقدية لأعمال ترميم خان القشلة، وهو مشروع مولته الحكومة الإيطالية، في إطار برنامج التراث الثقافي والتنمية الحضرية، بمليوني يورو.

ويقع النزل في سوق صيدا القديمة وهو مبنى يعود الى القرن الثامن عشر خضع لتغييرات وتحولات على مر القرون الى حين هجر بالكامل. ونظرا الى قيمته الثقافية والتاريخية، يخضع اليوم لأعمال الترميم والتدعيم والتطوير ليصبح مركزا للحرف اليدوية مع مساحات مخصصة للتدريب وتسويق المنتجات وأبوابه مفتوحة للجمهور.

ومع انتهاء أعمال الترميم ستتولى منظمة من المجتمع المدني في صيدا ضمان استمراره، وفقا لخطة عمل تشغيلية.