لا يخفي المسؤولون في دوائر الكرسي الرسولي، لا سيما من هم على اطلاع على تفاصيل الواقع اللبناني المرير بأوجهه كافة، انزعاجهم والاستياء مما آلت اليه الاوضاع عموما والعلاقات بين القوى السياسية، وخصوصاً المسيحية مع استعادة زمن السجالات وتبادل الاتهامات التي يتوقع ان تتخذ حيزا اوسع مع دخول المدار الانتخابي النيابي، ومقتضيات المرحلة. وتكاد اجواء الزوار اللبنانيين العائدين من الفاتيكان تتطابق الى حد كبير وتتقاطع بمجملها عند استياء فاتيكاني ونقمة على الطبقة السياسية اللبنانية التي اثبتت عجزا لا متناهيا واستهتارا غير مسبوق في تعاطيها مع سبحة الازمات التي ارهقت بلد الرسالة والعيش المشترك، وكادت تنهي دوره المميز في هذه البقعة الجغرافية من العالم، في حين ان القيادات المسيحية وعوض ان تلم الشمل وتتحد في مواجهة الخطر، ما زالت تمعن في سلوك مسار يزيد الفرقة والشرذمة حتى انها دكّت كل الجهود التي قادت الى تفاهمات اراحت الساحة المسيحية في شكل كبير قبل سنوات.
ويقول بعض من زاروا الفاتيكان اخيرا لـ”المركزية” ان المسؤولين هناك وفي مقدمهم قداسة البابا فرنسيس، ولو انهم تنفسوا الصعداء مع تشكيل الحكومة بعد عام ونيف من التعطيل، غير انهم لا يبدون اطمئنانهم لا بل ان قلقهم على المصير يتزايد مع اقتراب استحقاقي الانتخابات النيابية والرئاسية خشية استعادة سيناريو العامين ونصف من الفراغ الرئاسي او اي سيناريو شبيه، ما دام شيء من المعادلة التي تحكمت بالواقع السياسي انذاك لم يتغير، لا بل تعمقت الانقسامات وتجذرت الى درجة دفعت البعض للعودة الى نغمة الفدرالية التي تعتبرها الفاتيكان غير صالحة للنظام اللبناني كونها تضرب في الصميم صيغة العيش المشترك وتركيبة لبنان المميزة لجهة التعايش بين الاديان وحوار الحضارات كنموذج تتطلع الى تطبيقه دول كثيرة في منطقة الشرق الاوسط.
وتعتبر ان النظام الفدرالي لا يوفر الحل لازمات لبنان غير النابعة من الطائفية انما من سوء الاداء السياسي الذي عوض ان يحافظ على لبنان الرسالة راح يدّك كل اسسه، مستخدما الطوائف عبر تحريك الغرائز والعصبيات، بابا واسعا لتنفيذ اجندات خارجية ومصالح فئوية انانية.
واذ يشير الزوار الى ان زيارة البابا فرنسيس للبنان أُرجئت ولم تُلغَ إلا أنها ليست قريبة، يوضحون أن تحديد موعدها مرتبط الى حد ما بتحسن الظروف اللبنانية الداخلية وتطورات المنطقة والمتغيرات المتوقعة على اكثر من صعيد.
وفي اشارة الى الانزعاج الفاتيكاني من الاداء السياسي اللبناني، يتوقف الزوار عند غياب اي حركة للسفير البابوي في لبنان منذ مدة، كما عند عدم متابعة مبادرة البابا بعد اعلانه يوم لبنان في الفاتيكان في الاول من تموز الذي دعا اليه آنذاك رؤساء الطوائف المسيحية، معتبرين انها تؤكد عدم رضى الكرسي الرسولي عن اداء المسؤولين، والقوى السياسية لاسيما المسيحية التي عوض ان تقف الى جانب شعبها وتهتم بكيفية تأمين حاجاته المعيشية الضرورية للخروج من الازمة بأقل نسبة من الخسائر، عادت الى سياسة التناحر والخلاف والكيدية والانتقام مقدمة حساباتها الانتخابية على مصير شعب ووطن فقدا كل عناصر الثقة بها وبإمكان تحقيق الانقاذ عبرها.