أتت نتائج الانتخابات النيابية العراقية، مثقلة بالعبر والرسائل والمعاني، التي تتخطى الداخل الى الاقليم، وقد دلّت بحسب ما تقول مصادر دبلوماسية لـ”المركزية”، على نَفَس جديد في بلاد الرافدين، ضاق ذرعا بتحويلها الى ساحة تتصارع فوقها القوى الاجنبية ومشاريعها ومخططاتها، وتستبيح اراضيها الميليشياتُ الاجنبية “الجارة” وتضغط عبر حلفاء محليين لها، لإخضاعها سياسيا ولنهب ثرواتها ايضا.
العراقيون قالوا اذا “لا” للفساد والارتهان والتبعية ولتمدد النفوذ الخارجي، وعلى رأسه الايراني، في بلادهم وداخل مؤسساتها واداراتها، وذلك من خلال اعطائهم التيارَ الصدري، الكتلةَ الاكبر في البرلمان. ولم يتأخر مقتدى الصدر، وهو زعيم فصيل مسلح سابق قاتل القوات الأميركية ومناهض لإيران، في تأكيد هذه الثوابت. فقد دعا في اول خطاب له بعد الفوز مساء الاثنين “الشعب إلى أن يحتفل بهذا النصر بالكتلة الكبرى، لكن بدون مظاهر مسلحة”، بحسب ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية. وطالب بـ”حصر السلاح بيد الدولة ومنع استخدامه خارج هذا النطاق، فقد آن للشعب أن يعيش بسلام بلا إرهاب ولا ميليشيات”.
كما دعا السفارات في العراق إلى عدم التدخل في الشأن العراقي وتشكيل الحكومة المقبلة، مشددا على أن “العراق للعراقيين فقط ولن نسمح بالتدخل بشؤونه، وسيكون لنا رد دبلوماسي أو شعبي” واختتم الصدر خطابه قائلا “لا مكان للفساد والفاسدين بعد اليوم ولا تقاسم للسلطة ولا تقاسم لأموال الشعب”.
في المقابل، اعلن تحالف الفتح، التابع لـ”الحشد الشعبي”، وهو تحالف فصائل شيعية موالية لإيران، على لسان رئيسه هادي العامري ان “لا نقبل بهذه النتائج المفبركة، مهما كان الثمن”، مضيفاً”سندافع عن أصوات مرشحينا وناخبينا بكلّ قوة”. بدوره، قال المسؤول الأمني لكتائب حزب الله-العراق أبو علي العسكري، في بيانٍ، إنّ “ما حصل في نتائج الانتخابات التشريعية يمثّل أكبر عملية احتيالٍ والتفافٍ على الشعب العراقي في التاريخ الحديث”… من جهته، أعلن الإطار التنسيقي العراقي في بيان “الطعن في نتائج الانتخابات البرلمانية” التي أعلنت الإطار الذي يضم عدداً من التكتّلات، أبرزها تكتل القانون والفتح والعقد الوطني. وشدّد البيان على “المضي في اتخاذ جميع الإجراءات المُتاحة لمنع التلاعب بأصوات الناخبين”، لافتاً إلى أنّه “تم تقديم ملاحظات فنيةٍ إلى مفوضية الانتخابات التي تعهّدت بمعالجة جميع تلك الإشكاليات بخُطواتٍ عمليّةٍ، لكنها لم تلتزم بتلك الإجراءات القانونية”.
هذه الوقائع، تشير بحسب المصادر، الى ان المحور الممانع في المنطقة، بقيادة الجمهورية الاسلامية، لن يقبل الهزيمة بسهولة ولن “يهضمها”، وسيواصل الضغط بكل الوسائل الممكنة، وأبرزها “عسكريّة” الطابَع، لابقاء سيطرته قائمة على الميادين التي يعتبرها تابعة له وهي العراق، اليمن، سوريا، ولبنان. فإرادة الشعوب لا تهمّه، بل ما يعنيه ابقاء هذه البقع الجغرافية “الاستراتيجية”، تحت سطوته لاستخدامها في مفاوضاته مع القوى الكبرى. وبينما تذكّر باستخدام حزب الله في بيروت، “القمصانَ السود” لنقل الاغلبية النيابية من ضفة الى اخرى عام 2011، ترجّح لجوء “الحشد” الى الترويع في العراق اليوم، للغاية نفسها، ولا تستعبد تكرار هذا النموذج عام 2022 في لبنان ايضا، لخنق اي توجّه سيادي في المهد، تماما كما يتوعّد الحزب اليوم بـ”الكوارث” اذا ما بقي “القضاء” حرا غير منصاع لفائض قوّته. لا حلّ اذا، الا بحلّ هذه الميليشيات وبتجريدها من السلاح.. فهل يقتنع المجتمع الدولي بالحقيقة هذه ام يبقى يتحايل عليها؟