Site icon IMLebanon

القاضي بيطار على خط النار

كتبت أنديرا مطر في “القبس”:

أثيرت تساؤلات كثيرة مصحوبة بقلق كبير على مصير التحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت، بعد تصاعد المواجهة بين حزب الله والمحقق العدلي طارق البيطار.

منذ إحالة القضية إلى المجلس العدلي، تولدت شكوك مشروعة برغبة فريق من القوى السياسية في طمس القضية، فالإحالة إقرار رسمي بخطورة الجريمة يرضي الضحايا، لكنه لا يقترن غالباً بسلوك طريق الحقيقة والعدالة، ويرى فيها مراقبون أنها أداة السلطة لتمييع أي تحقيق في الجرائم الكبرى.

ومع انطلاق التحقيق، اندلع كباش مستتر بين حزب الله من جهة، وبيطار وأهالي الضحايا من جهة أخرى، ما لبث أن تحول إلى حرب مفتوحة، جنّد فيها الحزب منظومة متكاملة إعلامية سياسية دينية.

المواجهة المفتوحة بلغت ذروتها مع تهديد مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا لبيطار، التي شكك البعض بروايتها، وصمتت السلطة الرسمية حيالها، إلى أن أكدها الأمين العام للحزب حسن نصرالله، الإثنين، رافعاً سقف المواجهة مع البيطار إلى حدود غير مسبوقة.

ودعا نصر الله مجلس الوزراء ومجلس القضاء الأعلى إلى التدخل سريعاً لوقف «التسييس الفاضح» الذي يحيط بعمل المحقق العدلي، محذّراً من أن «الأمور تسير باتجاهات مقلقة في الأيام القليلة المقبلة».

ينتقم سياسياً

في موازاة ذلك، كان المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى يحذر من تسييس قضية انفجار المرفأ وتحويل القضاء أداة للانتقام السياسي.

وفي تماثل كلي مع موقف نصرالله، رأى المجلس «من خلال مواكبته لأداء قاضي التحقيق، أنه يوما بعد يوم يبتعد كلياً عن مسار العدالة، من خلال الاستنسابية والمزاجية اللتين كرستا الارتياب به وبعمله».

من جهته، توجه المفتي الجعفري الشيخ أحمد قبلان إلى البيطار بالقول: «القضاء يبدأ برؤوس الأفاعي وليس بالعمل للأفاعي.. نصيحتي لك بكل حرص: ابدأ بما يخالف واشنطن وتل أبيب تصل للحقيقة، وما دونها خيانة شهداء وضياع قضاء وحرق أوطان».

«ماضٍ رغم التهديدات»

ولا يبدو أن التهديدات المتتالية نجحت في ثني بيطار عن مواصلة مهمته، في ترقّب لكلمة القضاء بدعوى كف يده، فحتى الساعة يسند القضاء المحقق العدلي بقراراته، لكن ثمة مخاوف من عملية تطهير قضائي من القضاة المستقلين، في حين يتخوف البعض من «7 أيار» عسكرية مباشرة، وفي الحالتين فإن الشعب اللبناني بمختلف أطيافه بات قلقاً على أمن بيطار، ويعتبر أن حمايته واجب واطني.

فبُعيد ساعات من كلام نصرالله، أصدر بيطار مذكرة توقيف غيابية بحق وزير المالية السابق علي حسن خليل بتهمة «القتل والإيذاء والإحراق والتخريب معطوفة جميعها على القصد الاحتمالي»، وذلك بعد عدم مثوله للاستجواب في جلسة كانت مخصصة لذلك صباح أمس، لكن حضر وكيله، طالباً مهلة لتقديم دفوع شكلية، إلا أن بيطار رفض.

وعقب انتهاء الجلسة، تبلّغ بيطار دعوى الرد الجديدة المقدمة ضده من وكلاء خليل والنائب غازي زعيتر، ما استدعى تعليق التحقيق للمرة الثانية، ووقف كل الجلسات إلى أن تبتّ محكمة التمييز المدنية برئاسة القاضي ناجي عيد قبول الدعوى.

وبذلك تكون الجلستان المقرّرتان، اليوم، اللتان استدعي إليهما زعيتر والمشنوق، مرجأتين أيضاً إلى حين بتّ طلب الرّد.

كما أحال المحامي العام التمييزي القاضي عماد قبلان إلى بيطار قرارَ وزير الداخلية الذي رفض فيه إعطاء إذن بملاحقة اللواء عباس إبراهيم.

جلسة حكومية عاصفة

وخلال جلسة للحكومة مساء في القصر الجمهوري، طالب وزراء «أمل» و«حزب الله» بموقف من مجلس الوزراء بشأن «ملابسات» ما يجري حول التحقيق العدلي وعمل القاضي طارق البيطار. وحصل نقاش حاد في الموضوع، وتم ارجاء البحث في مطلب الوزراء الشيعة بتغييره الى جلسة الغد.

وقد تبيّن في النقاش في مجلس الوزراء، ان مجلس الوزراء لا يمكنه بحكم فصل السلطات كف يد أو تغيير المحقق العدلي وكل ما يمكنه فعله هو سحب قضية انفجار المرفأ من المجلس العدلي، وهذه خطوة من غير الوارد ان تقدم عليها الحكومة.

وحول إمكانية تعليق وزراء الثنائيّ الشيعيّ و«المردة» مشاركتهم في الحكومة إلى حين اتخاذ قرار بكفّ يد البيطار أجاب وزير الإعلام جورج قرداحي: «لا يمكنني الردّ على هذا السؤال حالياً، يجب أولاً درس الموضوع وبعدها يتم اتخاذ القرار».

مساران أمني وقانوني

ويرى مراقبون أن معركة حزب الله مع البيطار مفتوحة، تبدأ بالمسار القانوني والسياسي، مع عدم استبعاد المسار الأمني، عبر تحريك الشارع ضده.

وفي المسار القانوني، بدأ الحزب الضغط على مجلس القضاء والحكومة، مستنفداً كل الطرق لعرقلة العدالة، ووجه إليهما نداء، قائلاً للأول: «ما يحصل لا علاقة له بالعدالة أو القانون، وعليه أن يحلّ الأمر»، وناصحاً الحكومة بـ«حل هذا الأمر».

هذه المناشدة اعتبرتها مصادر قضائية دليلاً على جهل نصرالله بالقوانين والإجراءات المتّبعة حسب الأصول في الملفات القضائية؛ لأنه لا سلطة لمجلس الوزراء على بيطار، ولا صلاحية دستورية لديه لعزله من منصبه.

ومن خطاب نصرالله إلى مواقف سليمان فرنجية إلى طلب الوزير نهاد المشنوق بإلصاق التبليغ على حائط دار الفتوى، إلى عدم امتثال الوزراء والنواب أمام المحقق، كل التصرفات تشير الى أن التحقيق بات في مرمى فريق، سيعمل ما في وسعه لدفع بيطار إلى التنحي، وإلا ستكون العواقب وخيمة.

الناشط السياسي والصحافي سمير سكاف رأى في تصريح لـ القبس أن عملية دفع البيطار إلى التنحي بطلب مباشر من نصرالله بدأت أمام الرأي العام، بعد أن بدأت أولاً بتواصل مباشر بين الحزب ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي.