كتب محمد الساعد في “عكاظ”:
بعض الكتّاب والسياسيين اللبنانيين يطلقون نظريات عن شروط عودة السعودية إلى لبنان، والحقيقة أن هذا التصور خاطئ من أساسه، فشمس السعودية لا تغيب عن أي بقعة في العالم العربي والإسلامي، والعلاقة بين أي طرفين سواء أشخاصاً ودولًا أساسها التراضي، إن السؤال الصحيح ليس متى وكيف تعود السعودية إلى لبنان؟، إنما متى وكيف يعود لبنان إلى المملكة؟
أولاً: قبل ثلاث سنوات اختتمت اللجنة اللبنانية السعودية اجتماعاتها متصلة إلى 17 اتفاقية ومذكرة تفاهم تقنية في مجالات عدة وأصبحت جاهزة للتوقيع، وكانت في تلك المرحلة حكومة الرئيس سعد الحريري، وعلى الرغم من أن هذه الاتفاقيات تصب في صالح المواطن والاقتصاد اللبناني، إلا أن حلفاء سورية وإيران وضعوا كل العراقيل أمام توقيع هذه الاتفاقات، فهل هذا ذنب السعودية أم ذنب لبنان؟
ثانياً: رغم الأزمة اللبنانية الخانقة كانت الصادرات اللبنانية إلى السعودية شريان حياة ولو في الحد الأدنى، فقامت المليشيات اللبنانية المتأيرنة باستغلال هذا الشريان لتصدير الكبتاغون إلى المملكة بكميات مليونية، فكان من الطبيعي أن تتخذ الحكومة السعودية الإجراءات الطبيعية لحماية بلادها وشعبها، وبسبب الكبتاغون ولا سواه تعرض المزارع اللبناني والتاجر اللبناني إلى خسائر فادحة، فهل هذا ذنب السعودية أم ذنب لبنان؟
ثالثاً: تقوم المملكة العربية السعودية بشن معركة مفصلية دفاعاً عن الدولة اليمنية ودفاعاً عن العروبة ضد المليشيا الحوثية في اليمن، فما كان من المليشيات اللبنانية المتأيرنة إلا تسخير كل قدراتها ومقدراتها الأمنية والعسكرية والمالية والسياسية والإعلامية ضد المملكة وضد الخليج وضد اليمن، فكان من الطبيعي أن تأخذ المملكة موقفاً سلبياً من أي حكومة تتمثل فيها هذه المليشيات. إن مشاركة لبنانيين في مقاتلة الشرعية اليمنية من جهة، واستهداف الأعيان المدنية السعودية من جهة أخرى دون اتخاذ أي خطوات تغير من مشهد الانحياز للمليشيا الحوثية، سيؤثر سلباً في العلاقات السعودية اللبنانية، فهل هذا ذنب السعودية أم ذنب لبنان؟.
رابعاً: في سنة 2013، قبضت الأجهزة الأمنية السعودية على خلية تجسس إيرانية في المملكة تلقوا تدريباتهم في لبنان على يد مليشيا حزب الله وكادت نشاطات تلك الخلية أن تتسبب في استهداف منشآت نفطية وسيادية عبر تأسيس شبكات إرهابية، مسترجعة قيام حزب الله نفسه بتجهيز خلية تفجيرات الخبر 1996، فهل هذا ذنب السعودية أم ذنب لبنان؟
خامساً: خلال الحرب الأهلية اللبنانية وخلال حرب تموز 2006 نشطت الدبلوماسية السعودية عبر الأميرين سعود الفيصل وبندر بن سلطان وبذلوا كل الجهد من أجل حماية لبنان ومن أجل مستقبل لبنان وازدهاره وتحقيق الأمن والسلام على أراضيه، لكن حين استهدفت البعثة الدبلوماسية السعودية في إيران سنة 2016 قام جبران باسيل بإبداء التعاطف مع الجاني الإيراني لا مع المتضرر، وأبدى تقديره للجمهورية الإيرانية كما أنه كوزير خارجية لبنان لم يدن أي اعتداء إيراني حوثي على المملكة وعلى وجه الخصوص حادثة بقيق الكبرى التي لم يدنها بل وحاول تبريرها للجاني الإيراني، فهل هذا ذنب السعودية أم ذنب لبنان؟
سادساً: تقوم أطراف لبنانية لها ثقلها الرسمي في الحكومة والبرلمان بعملية تدمير ممنهجة لاتفاق الطائف الذي أعاد لبنان إلى طريق السلام والاستقرار والازدهار، وفوق هذا التدمير يتم التشكيك فيه والإساءة إليه وإلى نتائجه لتحقيق هدف تحالف الأقليات.
سابعاً: يقوم أمين عام المليشيا المتأيرنة -حسن نصر الله- بهجوم دوري على المملكة العربية السعودية، ورموزها دون أن يرد عليه أحد، بل إن الجسم الإعلامي والسياسي اللبناني يعتبرون نصرالله نبضهم ومشرعهم السياسي، فإذا كذب صدقوه، وإذا خالف وعده أيدوه، وإذا قتل غنوا على قبر القتيل أنشودة النصر الإلهي.
ثامناً: في الانتخابات اللبنانية 2018 وجه الناخب اللبناني رسالة واضحة إلى المملكة ودول الخليج حين منح أغلبية الأصوات إلى إيران وحلفائها، وبذلك يكون ما يحصل اليوم هو نتاج الخيارات اللبنانية، فهل هذه الخيارات ذنب السعودية أم ذنب لبنان؟
تاسعاً: بعد الحرب اللبنانية كانت المملكة هي الممول لإعادة الإعمار في لبنان، العملية التي لاقت إشادة دولية منقطعة النظير بمن مولها وبمن نفذها، ومع ذلك يقوم لبنانيون بالتشكيك في هذا الإنجاز العظيم الذي لا يزال يعيش لبنان على آثاره لليوم «مطار وسط بيروت وطرق».
عاشراً: حين طبقت السعودية مبدأ المعاملة بالمثل وبدلاً من أن يقوم قادة الدولة اللبنانية بإصلاح النفس وتطبيق الإصلاحات التي طالب بها المجتمع الدولي في مؤتمر «سيدر» حاول بعض السياسيين اللبنانيين الضغط على المملكة من خلال فرنسا والولايات المتحدة الأميركية لإجبارها على تمويل خصومها وأعدائها في لبنان، لكنهم نسوا أن المملكة لا يجبرها أحد، ولا يبتزها (متذاكي) يعمل من خلف القوى العظمى.
أخيراً، حين كان لبنان في كنف العرب ودول الخليج كان عروس الشرق في كل المجالات، لكن حين تم اقتيادها إلى الكنف الإيراني أصبحت دولة بلا كهرباء ولا مازوت ولا دواء ولا غذاء ولا مستقبل يحلم به شعبها، فهل هذا ذنب السعودية أم ذنب لبنان؟