جوني فخري – “العربية”:
دخل ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت بُعداً تصعيدياً، في ضوء مواقف زعيم حزب الله حسن نصرالله الهجومية منذ يومين ضد المحقق العدلي، طارق البيطار، الذي اعتبر “أن عمله فيه استهداف سياسي ولا علاقة له بالعدالة”، وحليفته “حركة أمل” برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري مع إعلان نائبها في البرلمان الوزير السابق علي حسن خليل، الذي أصدر المحقق العدلي مذكرة توقيف غيابية بحقه أمس بتهمة القتل والإيذاء والإحراق والتخريب في جريمة تفجير المرفأ “بأن التحقيق في انفجار بيروت مسيَّس وخياراتنا مفتوحة بينها التصعيد في الشارع”.
فغداة التهديدات المبطّنة التي وجهها أمين عام حزب الله للقاضي بيطار، أصدر الأخير مذكرة توقيف غيابية بحق وزير المال السابق علي حسن خليل بعد تمنعه عن حضور جلسة الاستجواب المخصصة له.
ضغط قضائي وسياسي
إلا أنه وإثر إنتهاء الجلسة، تبلّغ بيطار دعوى الردّ الجديدة المقدمة ضده من وكلاء خليل والنائب غازي زعيتر، ما استدعى تعليق التحقيق ووقف كل الجلسات، الى أن تبتّ محكمة التمييز المدنية بقبول هذه الدعوى أو رفضها.
لكن مفاعيل القضية لم تبق ضمن الإطار القضائي بل تمددت إلى الحكومة التي علّقت جلستها أمس الأربعاء بعدما أصرّ وزراء الثنائي الشيعي ومعهم “تيار المرده” على إيجاد حلّ للمحقق العدلي في ترجمة لدعوات نصرالله لمجلس الوزراء بأن يُبادر باتّجاه بيطار لأنه لا يتصرّف وفق القوانين على حدّ تعبيره، في استعادة لسيناريو التحقيقات في جريمة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، حين استقال وزراء الثنائي الشيعي وحلفاؤهم من حكومة نجله سعد الحريري.
تطيير مبدأ فصل السلطات
فقد تقرر أمس إرجاء الجلسة الحكومية التي كانت مقررة بالاتّفاق بين رئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة نجيب ميقاتي إلى موعد يُحدد لاحقاً بانتظار نتائج الاتّصالات السياسية التي فُتحت على مصراعيها، ما اعتبره البعض ضربا لمبدأ فصل السلطات وتدخل السلطة السياسية بعمل القضاء.
تعليقا على تلك التطورات، اعتبر الرئيس السابق لمجلس شورى الدولة القاضي شكري صادر لـ”العربية.نت” “أن ما يجري عبارة عن مسلسل سيئ وطويل. إذا لا صلاحية لمجلس الوزراء بالتدخّل في عمل القضاء وذلك بحسب مبدأ فصل السلطات”.
سابقة وقحة
كما قال “إنها سابقة في لبنان، حيث لم نشهد على رسم معادلة إمّا الحكومة أو القاضي بيطار بشكل وقح وصريح! هل نريد عدالة أم شريعة غاب؟ وللأسف تصرّفاتهم تؤكد أنهم يريدون شريعة الغاب والسيطرة على 4 ملايين لبناني مسالم. فبعدما هدّدوا بيطار شخصياً ها هم اليوم يهدّدون القضاء وأهالي الضحايا والدولة ومؤسساتها بشكل مكشوف وهذا ما لا يُمكن قبوله”.
إلى ذلك، رأى أنه “من المُعيب على الحكومة أن تُفكّر بإزاحة بيطار عن قضية المرفأ، احترماً لمبدأ فصل السلطات الذي ينصّ عليه الدستور”.
مخرج قانوني؟!
أما عن المخرج “القانوني” للأزمة الحاصلة، فقال رئيس منظمّة “جوستيسيا” الحقوقية المحامي البروفيسرو بول مرقص لـ”العربية.نت” “بإمكانية إحالة الملف إلى لجنة تحقيق برلمانية للتذرّع بصلاحية مجلس النواب، مما يؤدي إلى تنازع سلبي في الصلاحيات بين المجلس النيابي والمحقق العدلي”.
وتابع “لا يُمكن للسلطة التنفيذية أن تتدخّل بعمل القضاء حتى لو كانت الإحالة إلى المجلس العدلي صادرة بمرسوم من مجلس الوزراء. فقاعدة توازي الأشكال والصيغ هنا لا تنطبق أي لا يُمكن للسلطة التنفيذية إلغاء المرسوم، كذلك فإن تدخّل وزير العدل مع المجلس القضاء الأعلى ولو بعد تشكيله أو ترميم الشغور فيه يبقى أمراً مخالفاً لمبدأ استقلالية القضاء وفصل السلطات”.
تلويح بالشارع واستعانة بالعشائر
يذكر أنه سبق إرجاء الجلسة حملة تهديدات شنّها مناصرو حزب الله وحركة أمل على مواقع التواصل الاجتماعي ضد بيطار ملوّحين باستخدام الشارع وتكرار سيناريو 7 أيار الذي اجتاح فيه حزب الله وحلفائه بيروت والجبل إذا لم يتم “قبع” المحقق العدلي من منصبه، وهو التعبير الذي سبق واستخدمه مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا عندما نقل رسالة تهديد عبر صحافية لبنانية إلى القاضي.
كما لوّحوا بالنزول إلى الشارع اليوم الخميس والاعتصام أمام قصر العدل في بيروت ضد المحقق العدلي.
واللافت في سياق حملة التهديد البيانات التي صدرت عن عشائر في منطقة البقاع المحسوبة على الثنائي الشيعي متوعّدين بيطار ومتّهمين إيّاه باتّباع أجندات خارجية، في محاولة من الحزب تصوير الصراع القائم بأنه صراع طائفي.
اتهامات للمحقق العدلي
ولعل الأبرز في الحملة المُمنهجة التي يقودها حزب الله ضد المحقق العدلي الأجواء التي عمّمها على وسائل إعلام محلية وخارجية بأنها تُلخّص “امتعاضه” من تصرّفاته واستدعاءاته لأسماء محددة دون أخرى ما يعكس برأيه استنسابيةً في التعاطي، وهذا إن دلّ إلى شيء فإلى مؤامرة خارجية تقودها الولايات المتحدة الأميركية من أجل إستهدافه وتصفية الحسابات معه قبيل الانتخابات النيابية المقبلة.
7 أيار قضائي
وفي الإطار، أكد رئيس “حركة الاستقلال” النائب المُستقيل من البرلمان ميشال معوض لـ”العربية.نت”، “أن حزب الله يُنفّذ 7 أيار (اجتياح حزب الله ومعه حركة أمل لبيروت والجبل) قضائي ضد المحقق العدلي مستخدماً أسلحة ثلاثة: التعبئة الطائفية والتعطيل المؤسساتي والتهويل بالسلاح”.
وقال: “أي تركبية حكومية تُشكّل تحت سقف إتّفاق الدوحة (وقّع بعد أحداث 7 أيار ) وتُعطي الثنائي الشيعي حق الفيتو على القرارات الأساسية في الدولة اللبنانية، فإن لبنان إلى مزيد من الهلاك ومزيد من تدمير المؤسسات الدستورية”.
إلى ذلك، استغرب “كيف أنه في كلّ مرّة نقترب فيها من معرفة الحقيقة في أي عملية أمنية يعترض حزب الله، مستخدماً لغة التهويل والتهديد بالنزول إلى الشارع”.
“حزب الله يهدد الشعب”
وتساءل قائلا: “حزب الله يُهدد بالنزول إلى الشارع. ولكن ضد من؟ ضد الحكومة التي يرعاها أو مجلس النواب الذي يحظى بأكثريته أو ضد حليفه رئيس الجمهورية”؟ مؤكداً “أن الحزب يُهدد المؤسسات الدستورية والشعب اللبناني”.
إلا أن معوض جزم “بأن الشعب اللبناني لن يسمح بتعطيل التحقيقات بانفجار مرفأ بيروت مهما كثرت التهديدات، ونحن سنقف إلى جانب أهالي الضحايا ولن نسمح له بطيّ صفحة العدالة والمحاسبة”.
ما موقف عون وتياره؟!
وفي ضوء التصعيد السياسي بقيادة حزب الله ضد المحقق العدلي تُطرح تساؤلات حول موقف حليفه السياسي “التيار الوطني الحرّ” الذي أبدى في مناسبات عدة دعمه للقاضي طارق البيطار وتمسّكه بالوصول إلى حقيقة ما جرى في الرابع من آب 2020.
ودعا عضو تكتل “لبنان القوي” التابع للتيار الوطني الحر، النائب إدي معلوف إلى ترك التحقيقات تأخذ مجراها، وعدم التوقّف عند مسألة الحصانات النيابية. واعتبر أنه “طالما أن رئيس الجمهورية ميشال عون سبق وأعلن استعداده للمثول أمام المحقق العدلي، فلا يجوز الامتناع عن حضور جلسات الاستجواب”.
كما أكد “أن البلد لا يحتمل تصعيداً سياسياً أو التهديد بالنزول إلى الشارع”، داعيا إلى بحث الأمور من دون تشنّجات طائفية والتلويح باستخدام الشارع”.
إلى ذلك، شدد على أنه “لا يجوز أن تتدخّل الحكومة في عمل القضاء، ويجب احترام مبدأ فصل السلطات”، وذلك في إشارة إلى تعليق عمل مجلس الوزراء إلى حين إيجاد مخرج سياسي لسحب فتيل التوتّر بين حزب الله والقاضي طارق البيطار. واعتبر معلوف “أن طرح معادلة الحكومة مقابل القاضي طارق البيطار غير مقبولة، لأن تشكيل حكومة جديدة لن يكون نزهة”.