كتب وسام ابو حرفوش وليندا عازار في “الراي”:
أحداث الطيونة». صفحة دموية جديدة أضيفت أمس إلى «السجلّ الأسود» للمنعطفات الأخطر التي أحدثت تحوّلات عميقة وكاسرة للتوازنات في لبنان الذي دَخَلَ نفقاً بالغ الحساسية بدا معه أنه يوغل بالتدحرج في «الجحيم».
5 ساعات مُرْعبة، سقط ضحيّتها ما لا يقلّ عن 6 قتلى و32 جريحاً، قبضت على أنفاس لبنان، بعدما تحوّل تحرّكٌ دعا إليه مناصرو «حزب الله» و«أمل» أمام قصر العدل للمطالبة بالإطاحة بالمحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار والاعتراض على المسار القضائي الذي يعتمده (وكان آخره إصدار مذكرة توقيف غيابية بحق النائب علي حسن خليل) شرارةً لما بدا «ميني حرب» على خط تماس قديم – جديد هو محلة الطيونة حيث تعرّض تجمّع كان في طريقه إلى أمام عدلية بيروت لعملية قنص اتّهم بها الحزب والحركة مناصرين لحزب «القوات اللبنانية» ما أدى لسقوط عدد من الإصابات بين المحتشدين.
وما هي إلا دقائق حتى استعادت «جبهة» الشياح – عين الرمانة مشاهد زمن الحرب الأهلية، بعدما اندلعت اشتباكات متبادلة بدأت في محلة الطيونة حيث رصدت عدسات محطات تلفزيون مسلّحين بأسلحة رشاشة يردّون على مصدر القنص، وسرعان ما تطوّر الأمر لاستخدام قذائف «بي 7»، وسط مواجهات بدت أقرب إلى «حرب شوارع» تحوّلت معها العاصمة «صندوقة ذعر» أحيت كوابيس اقتتال 1975 – 1990.
ورغم توقف «المعركة» عصراً بعد اتصالات على أعلى المستويات، فإن حصيلة الضحايا والجرحى من الطرفين تشي بصعوبة أن يكون الأمر «عاصفة ومرّت»، وسط اقتناعٍ بأن ما حصل هو «جولة حرب» لإسقاط بيطار وفق «المعركة» التي أطلقها بوجهه الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله ورئيس البرلمان نبيه بري رفضاً للادعاءات والاستدعاءات «المسيّسة والاستنسابية»، والتي بلغت حدّ ربْط انعقاد جلسات مجلس الوزراء بتنحية المحقق العدلي، قبل أن تبرز أحداث أمس، وبمعزل عن ملابساتها، وكأنها «تحمية» لما سيكون لتحقيق «الهدف المرسوم» ولو وفق معادلة «بقاء بيطار = الفتنة والحرب الأهلية».
وفي حين كانت الخشية من «تتمات» لموْقعة الطيونة وسط معلومات عن حادث أمني سُجل في منطقة الشويفات وجرى تطويقه، وفي ظل اتهامات مباشرة من «حزب الله» و«أمل» لـ«القوات اللبنانية» بإطلاق النار عمداً على المتجمعين وهو ما نفته الأخيرة، علمت «الراي» أن الحركة والحزب أخذا على القوى الأمنية عدم قيامها بإجراءات استباقية رغم علمها بوجود تحركات في المقلب الآخر رُصدت ليل الأربعاء.
ورغم أن «التمرين بالنار» الذي جرى أمس، في سياق معركة إسقاط المحقق العدلي في «بيروتشيما» يشكل دفعة على الحساب، فإن أوساطاً واسعة الاطلاع بدأت تشكك في إمكان إجراء الانتخابات النيابية في موعدها (بعد نحو خمسة أشهر).
ورأت دوائر مراقبة أن حصيلة أحداث أمس خلصت إلى وجود «رابحيْن» هما رئيس البرلمان نبيه بري الذي دفع بأنصاره إلى «الميدان» للإطاحة بالقاضي بيطار عبر «الدم» الذي لم يعد في الإمكان تجاهله. ورئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي برز كمدافع عن المناطق ذات الغالبية المسيحية، والذي بعث برسالة إلى الآخرين بأنه في إمكانه أن «يطلق النار» هو أيضاً.
أما الخاسر الأبرز من الجولة فسيكون رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره ووريثه السياسي جبران باسيل بحال استجابتهما لمطالبة حليفهما «حزب الله» بالانضمام إلى معركة إسقاط بيطار ما يرتد عليهما سلباً في الشارع المسيحي، وهو ما سيخدم جعجع بالتأكيد.
وعلى وقع هذه المعطيات، بدا أن الحكومة أصيبت بـ «صداع مبكر» جراء انفجار «كرة نار» غير محسوبة بين يديها وبدء مؤشرات تصدُّعها من الداخل، وسط توقف أوساط متابعة عند توجيه ميقاتي «اعتذاراً» من اللبنانيين عما حصل، بعدما كان أعلن «أننا» في غرفة العمليات (زارها أمس لتفقد متابعة الجيش أحداث الطيونة) تلقينا الرصاص والـ«آر. بي.جي».
ولم يكن عابراً، قبيل إعلان الحداد العام اليوم على ضحايا أحداث أمس، قول وزير الداخلية بسام المولوي «إن مَن نظّم التظاهرة أكد لنا أنها سلمية ويجب أن تكون كذلك، ولم تكن لدى أجهزة الاستخبارات أي معلومات حول ما حصل حالياً، وكان هناك إطلاق نار قنصاً وتفاجأنا بأمر خطر هو إطلاق النار على الرؤوس وهذا غير مقبول».