كتبت رنى سعرتي في “الحمهورية”:
وكأنّ البلاد لم تشبع من حالات الشلل الحكومي والجمود الاقتصادي وعدم الاستقرار الامني والسياسي والاقفالات العامة للادرات العامة والقطاع الخاص والمصارف، وما ترتّب عنها من تدهور اقتصادي اضافي، حتى تنفجر اليوم أزمة حكومية جديدة على خلفية الملف القضائي والتحقيق في انفجار مرفأ بيروت، وتعيد الحكومة، التي كان يعوّل عليها لتكون شبكة الخلاص الاخيرة، الى وضعية تصريف الاعمال، في حال لم يتم التوافق على مخرج لاستئناف انعقاد جلسات مجلس الوزراء.
هل ان مؤسسات القطاع الخاص قادرة اليوم، وهي تحتضر وتعاني تداعيات الانهيارات المالية والاقتصادية والإغلاقات السابقة والمستمرّة منذ اكثر من عامَين، على تحمّل تداعيات التوترات الامنية، في حال استمرارها؟ هل ان المؤسسات التجارية والسياحية وغيرها التي ما زالت تُلملم خسائرها الناتجة عن انفجار 4 آب، مستعدّة اليوم لتحمّل مخاطر اندلاع مزيد من الاشتباكات تؤدي الى التعرّض للاملاك الخاصة وتكبّدها خسائر مالية مباشرة وغير مباشرة؟ وهل ان القطاع السياحي، الذي عاد الى الجمود مع انتهاء موسم الصيف وعودة المغتربين، قادر على الصمود واستقطاب الرواد في بلد تطفو فيه العناصر المسلحّة التابعة للميليشيات وغيرها عند اي خلاف سياسي؟
للتذكير بالمؤشرات الاقتصادية والوضع الذي سيصل اليه لبنان في حال فشل الحكومة في تطبيق الاصلاحات ودخول البلاد من جديد في حالة من الشلل الحكومي، فإنّ معهد التمويل الدولي وضع سيناريو متشائماً للمرحلة المقبلة في حال استقالة الحكومة او عدم تنفيذ الاصلاحات، ما سيؤدي بالتالي الى عدم التوصل الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي وعدم حصول لبنان على دعم مالي خارجي. وفي النتيجة، سينكمش الاقتصاد من جديد بنسبة مقدّرة عند -4 في المئة في العام 2022، وسيواصل سعر صرف الليرة الانهيار ليصل الى 28 الف ليرة مقابل الدولار في 2022، وسيبقى معدل التضخم عند مستويات اكبر بكثير من 170 في المئة لسنوات عدّة، وسيستنفد احتياطي العملات الاجنبية بالكامل، وتتخطى نسبة الدين العام الى الناتج المحلي الاجمالي الـ300 في المئة. وقدّرَ معهد التمويل الدولي، وفقاً لهذا السيناريو، ان يبلغ الناتج المحلي الاجمالي الاسمي في العام 2022، 18,9 مليار دولار مقارنة مع 29,7 مليار دولار في 2021.
في هذا الاطار، اعتبر مدير مؤسسة البحوث والاستشارات الخبير الاقتصادي د. كمال حمدان ان الشعب اللبناني يدفع ثمن استمرار النظام الطائفي المتخلّف في حين ان مصالحه في مكان آخر. واوضح ان التداعيات الاقتصادية والمالية للتوترات الحاصلة ولإمكان حصول شلل حكومي وجمود على صعيد الاصلاحات المطلوبة، معروفة، وسبق للبنان ان شهد انهيارَ سعر صرف الليرة مراراً، وقد حصل ذلك بعد الحرب الاهلية.
وشدد حمدان على ان الاخطر من ذلك هو هجرة الفئات الاجتماعية المتوسطة وما فوق، خصوصا الكفاءات التي ساهمت في بناء البنية التحتية وازدهار الاقتصاد في السابق، لافتاً الى ان الشريحة التي كانت متردّدة فيما يتعلّق بموضوع الهجرة، ستدفعها الاحداث الاخيرة وتدهور الاوضاع بشكل اكبر الى اتخاذ هذا القرار. وبالتالي، ستزداد نسبة الهجرة بشكل ملحوظ نتيجة ظروف العيش الحالية ونوعية الحياة في لبنان حيث ترفض شريحة كبيرة من اللبنانيين البقاء في بلد تسوده المظاهر المسلحّة المتفلّتة.
واكد حمدان انه ستكون هناك أكلاف اضافية للتطورات الامنية على الوضع الاقتصادي، «وكلّ ما تم إحصاؤه من خسائر، سيتوجّب اعادة تقويمه وزيادة كلفة الخسائر، نتيجة اساءة استخدام الوقت وتأخر الاصلاحات وفتح المجال امام المزيد من التردّي في المؤشرات الاقتصادية، إن من ناحية التضخم او سعر صرف العملة المحلية، وعجوزات الحساب الخارجي بالاضافة الى تسريع آليات الهجرة وإفراغ البلاد من كفاءاتها».
وبالتالي، في حال كان الخروج من الأزمة يستغرق 6 سنوات في حال شرعت الحكومة بالاصلاحات اليوم، فإنّ التطورات الحاصلة والتأخر في تنفيذ الاجراءات الانقاذية سيُطيل فترة التعافي، ويرفعها الى 7 او 8 سنوات.