على هامش التطورات الامنية التي شهدتها مستديرة الطيونة والأحياء المتفرعة منها باتجاه عين الرمانة والشياح طرحت على طاولة المناقشات في عدد من الأندية السياسية أكثر من معادلة حول احتمال ان تهتز تحالفات الثنائي امل وحزب الله. فإلى المعلن منذ تفاهم “مار مخايل” بين حزب الله والتيار الوطني الحر، ليس صعبا مراقبة التوافق والتناغم الذي عبرت عنه محطات عدة بين أمل والقوات اللبنانية في إطار المواجهة المفتوحة التي تجمعهما مع التيار الوطني الحر.
فبعدما انتهت انعكاسات أحداث الخميس إلى تراجع ملحوظ في موجة التعاطف التي يحظى بها “حزب الله” في بعض المجتمعات المشتتة خارج البيئة الحاضنة مباشرة له في السراء والضراء وايا كان الثمن، زادت سيرة السلاح المتفلت المتنقل من منطقة الى اخرى من نسبة التخوف من نتائج حضوره خارج اي منطق او أسباب موجبة، بعد احداث الطيونة وعين الرمانة التي تم ربطها بسرعة قياسية مع ما شهدته منطقتي خلدة قبل فترة وبلدة شويا البقاعية التي ابعدته عن المواجهة مع العدو الاسرائيلي. فما عكسته هذه الاحداث من وقوع ضحايا استطاع الحزب استيعابها بكل الوسائل السياسية والدينية – الجهادية والمادية، وكل ذلك نتيجة ما ادى اليه استخدامه بطريقة حجبت الإشارة الى وجود سلاح آخر لـ “حركة امل” التي تصر على إبرازه من جديد منذ العرض العسكري الذي شهده الجنوب قبل فترة، والذي عد في إطار التنافس الداخلي في الطائفة الشيعية قبل ان يظهر بقوة في أحياء الضاحية الجنوبية بالأمس القريب.
وتعترف مصادر سياسية وامنية مطلعة عند قراءتها لهذه الظاهرة عبر “المركزية”، ان ما عزز هذا التوجه وأدى الى تناميه في الفترة الاخيرة مرده الى الشعور بالقوة المفرطة الذي سعت الحركة والحزب الى التعبير عنه لأسباب محلية داخلية على ابواب الانتخابات النيابية المقبلة وما يتردد من توجهات لابعاد الرئيس نبيه بري عن الحلبة السياسية نتيجة ملاحظات سورية تردد صداها في الأوساط السياسية فوضعته الى جانب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لاسقاطهما من لائحة أصدقاء سوريا الاسد الذين ساعدوه لينجح في عبور الاختبارات الامنية الخطيرة التي شهدتها بلاده.
وعليه، فقد تزايدت الخشية من ضم سلاح الحركة الى سلاح الحزب متفلتا من اي تدابير للحد من ظهوره العلني لصالح القوى العسكرية والامنية الشرعية، والترتيبات الامنية التي تستدعي حجبه لصالح الهيبة التي تحتاجها السلطة الضعيفة بانتظار المرحلة التي ستسمح بقيام الدولة القوية القادرة على فرض سلطتها دون غيرها على كامل الأراضي اللبنانية. وما تخشاه المصادر ان تتحول مظاهره العلنية الى حدث طبيعي لا يثير اي رد فعل لدى فئات الشعب اللبناني التي اكتوت بنار الأزمات الاقتصادية والمالية والسياسية التي جاء بها السلاح غير الشرعي بسبب تمدده خارج الأراضي اللبنانية من سوريا والعراق الى اليمن وبعض الدول الخليجية الاخرى وعزل البلد عن اصدقائه واشقائه، وخصوصا بعدما كشفت مجموعات وخلايا تابعة للحزب قادت لفرض عقوبات اميركية – قطرية مشتركة قبل فترة على مجموعة من الشخصيات والشركات في أكثر من دولة ومن بين الذين طالتهم لبنانيون، خليجيون وفلسطينيون يتعاطفون مع الحزب ويمولونه.
كل ذلك يترافق مع مظاهر التباهي بالسلاح التي عجت بها احياء الضاحية الجنوبية واكثر من منطقة بيروتية وبقاعية وبعلبكية وكأنها من “مقتنيات العشائر” التقليدية الغالية، و”زينة الرجال” فيما تعب كثر لتأمين صورة واحدة لمسلح في عين الرمانة او في بدوار ومحيطها في أعقاب الاتهامات التي رافقت احداث المنطقة وسقوط مجموعة القتلى والجرحى الذين توزعوا على اقرب مستشفيات على جانبي منطقة الأحداث الأمنية.
عند هذه المعطيات، لا تتجاهل المناقشات الدائرة في الكواليس السياسية والحزبية ما يمكن ان يؤدي اليه الخلاف بين التيار الوطني الحر وحزب الله على خلفية مطالبة الحزب بـ “قبع” المحقق العدلي في جريمة تفجير المرفأ القاضي طارق البيطار وهو الذي قاد الى تظاهرات الخميس والتحركات التي انتهت الى ما انتهت اليه امنيا. وما يزيد من الحرج انها ازمة اضيفت الى ازمة حكومية ناجمة عن تجميد وزراء الثنائي الشيعي للعمل الحكومي قبل ان تنتهي الجلسة الرابعة من عمر الحكومة الوليدة في ظروف غير طبيعية والتي تجاوز أقطابها من أجل توليدها الكثير من الخلافات والمطبات التي ادى بروز اولاها الى الشلل الحكومي في وقت قياسي.
وعليه، لم يعد مستغربا ان مصير الحكومة بات مطروحا بقوة ان لم يتنازل رئيس الجمهورية ومعه رئيس الحكومة عن موقفهما بهدف مجاراة الرغبة الشيعية بإعطاء اي دور لمجلس الوزراء لاقصاء البيطار عن موقعه، وحجتهما عجز الحكومة دستوريا عن القيام بأي خطوة من هذا النوع احتراما منهما لمبدأ الفصل بين السلطات وترك الأمر للآليات القضائية التي ترافقت مع صدور مرسوم تعيينه باقتراح من وزير العدل بعد موافقة مجلس القضاء الاعلى وهو ما لا يمكن العودة إليه لقطع دابر الازمة الحكومية قبل تفاقمها الى ما هو اسوأ بكثير مع قرب استحقاق الانتخابات النيابية المقبلة ودخول العهد سنته الاخيرة.
وعلى جبهة اخرى، لا يمكن للمراقبين في اعقاب احداث الطيونة والحملات الاعلامية التي شنت على القوات اللبنانية، سوى الاشارة الى احتمال ان يكون قد انتهى “شهر العسل” غير المعلن بين عين التينة ومعراب الذي عبر عنه الطرفان أكثر من مرة الى حدود اعتبار ان اتهام القوات اللبنانية بأحداث عين الرمانة كان من اجل تقويتها وهو ما سقط بالضربة القاضية باتجاه العكس. فقد اعتقد البعض ان مجرد تقديمها المدافع الأول عن المسيحيين في وقت عجز فيه “الرئيس القوي” ومعه تيار العهد عن القيام بهذه المهمة التي رفعت شعارا للمرحلة التي سبقت الاحداث الاخيرة. وذلك من اجل تعزيز موقعها في المواجهة المفتوحة على الساحة المسيحية مع التيار الوطني الحر ولتجاوز باقي الشخصيات والقوى الحزبية المسيحية الاخرى رغم الدور الذي تلعبه على الساحة المسيحية في هذه المرحلة بالذات.
وبناء على ما تقدم، فقد انتهت القراءات الأولية الى معادلة شبه ثابتة ومنطقية تقول ان اتفاق مار مخايل ما زال صامدا يعاند الأعاصير التي واجهها الطرفان وسيبقى نظرا لحاجتهما إليه في هذا العهد اليوم وفي الغد سعيا لضمان استمراريته من خلال “الصهر العتيد” ومصالحهم التي تلاقت على تغطية ما تسبب به السلاح المتفلت، في وقت قد يكون فيه التوافق غير المعلن بين أمل والقوات اللبنانية من اولى ضحايا احداث الطيونة وهو ما سيظهر في الأيام المقبلة. فجلسات مجلس النواب التي ستستأنف الثلاثاء المقبل ستشكل مناسبة للاختبارات التي يخضع لها هذا التفاهم وشكل العلاقات في المستقبل القريب بينهما.