كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
وليد جنبلاط ليس من طينة سياسيي الصالونات والتنظير عن بُعد. هو ابن الأرض، والمعارك العسكرية. أو بالاحرى من زعماء الحرب ممن أمسكوا البارودة ويعرفون أكلافها البشرية وأثمانها السياسية. وفي السلم أيضاً كانت له جولاته. في السابع من أيار 2008، وفي قبرشمون كان لحزبه أكثر من تجربة ومحطة. ما يعني أنّ الرجل ليس من النوع الذي يخشى السلاح ولكن في المقابل يعرف تماماً توقيت حمله واستخدامه.
ولهذا قرر منذ مدّة أن يهادن الخصوم. أن يخمد الجبهات الداخلية على قدر الامكان، ولو أنّ بعض حلفائه يتهمونه بـ”الانقلاب” عليهم لكونه قرر عدم السير بأجندتهم. كذلك سبق له أن فعل مع الخصوم حين ركب موجة التغييرات الدولية وقرر ان يكون رأس حربتها. ولكن سمة المرحلة الأخيرة مختلفة كلياً. ترك حكومة حسان دياب تحاول أن تقبّع شوكها بيدها، فكان حلفاؤها لها بالمرصاد. أما جنبلاط فجلس على مقاعد المتفرجين، لا اقترب من المعارضين ولا تناغم مع الموالين. مقتنع أنّ التسونامي الاجتماعي سيغرق المركب بمن فيه، بعدما بلغ الوضع الاقتصادي- المالي القعر الذي يستحيل الخروج منه بلا تفاهم داخلي وبرعاية دولية. ولهذا بدا أكثر المتحمسين للمبادرة الفرنسية مبدياً كل تعاون مع ادارة ايمانويل ماكرون الهادفة الى وضع الورشة الإصلاحية على سكّة التنفيذ. فكان أكثر المتخففين من المطالب والشروط. بهذا المعنى أبدى وليد جنبلاط حساسية مفرطة تجاه الوضع الأمني خشية من انفجار الوضع في أي بقعة جغرافية غير متجانسة اجتماعياً أو طائفياً. وجّه أكثر من انذار وتحذير حول خطورة الوضع على الأرض، وحاول مع القوى الدرزية الأخرى تأمين شبكة أمان سياسية تحول دون تسلل الفتنة إلى الجبل، لأنّه يعرف تمام المعرفة أنّ النار مشتعلة تحت الرماد وقد تلهب ما فوقها في أي لحظة توتر.
بتقديره، فإنّ اندلاع شرارة الفتنة ستغرق البلاد في الفوضى والدم، وعندها ستكون العودة إلى الهدوء والاستقرار صعبة اذا لم نقل مستحيلة، لأنّ فتيلها سينتقل بسرعة البرق من مربّع إلى آخر ومن خطّ تماس إلى آخر.
على أثر اندلاع الاشتباكات في منطقة الطيونة – عين الرمانة، سارع وليد جنبلاط إلى التنبيه من مغبة استعادة الماضي، اذ شدد على ضرورة أن “نتعلم من الماضي”، وقال: “اختبرت من الماضي، وعمري تجاوز السبعين، اعرف كيف أدخلتنا بوسطة عين الرمانة في المتاهة، علينا ألا نكرر هذا الأمر، وأذكّر أيضاً بمسعى الامام المغيّب موسى الصدر عندما حاول أن يلاقي داني شمعون الى “حي المراية”، آنذاك يد غريبة أفشلت ذاك اللقاء المصالحة بين حيَّين فقيرَين تجمعهما المصيبة الواحدة، ولا تفرّقهما الكراهية والحساسيات”.
حاول رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” أن يأخذ النقاش أو الخلاف إلى الفضاء الأوسع، ليذكّر بأنّ السعودية وايران تتحاوران، ما يعني برأيه، أنه لا يفترض باللبنانيين أن يسبحوا عكس التيار وأن يستثمروا في الوقت الضائع بالسلاح والدم، طالما أنّ اللغة السائدة في المنطقة هي الحوار والنقاش الهادئ، ولهذا لم يتردد في رفع الفيتو عن الحوار مع سوريا اذا كان هذا الحوار هو شرط لتأمين الغاز المصري والكهرباء الأردنية.
بنظره، وقع المحظور والخطاب الرائج حالياً هو خطاب التوتر الذي سيجرّ مزيداً من التوتر والتشنّج، ولهذا سارع إلى التواصل مع صديقه العتيق رئيس مجلس النواب نبيه بري، وعاد ليوفد الوزير السابق غازي العريضي للقاء رئيس مجلس النواب مناشداً اياه التمسك بدوره الانفتاحي والمتعاون مع مختلف الأطراف، ولو أنّ جنبلاط يدرك حساسية الوضع على الأرض بعد سقوط سبعة ضحايا محسوبين على حركة “أمل” و”حزب الله”، ما يعني صعوبة التعالي على ما حصل يوم الخميس. لكن الزعيم الدرزي لا يزال على قناعته: لا بدّ من تسوية سياسية. تأليف الحكومة لا يكفي للجم التدهور الاقتصادي والاجتماعي. لا بدّ من ترتيب الأمور سياسياً لاستعادة الاستقرار السياسي… والأمني.