Site icon IMLebanon

الحكومة بين “فكيْ كماشة”

حذّرت أوساط واسعة الاطلاع في بيروت، من المنحى الذي انزلق إليه الوضع اللبناني الذي بات عالقاً بين «ناريْ» العصْف السياسي – القضائي لملف التحقيقات في جريمة انفجار المرفأ، والتشظيات البالغة الخطورة أمنياً لأحداث الطيونة التي يُنتظر أن تتدحرج أيضاً على المستوييْن السياسي والقضائي.

وبدا واضحاً أن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي صارتْ أسيرة هذين الملفين المتشابكيْن اللذين دهما البلاد مع إطلاق «حزب الله» ورئيس البرلمان نبيه بري معركة إقصاء المحقق العدلي في «بيروتشيما» القاضي طارق بيطار «مهما كلّف الأمر»، ثم انفجار هذا الملف في الشارع «على الدم» الذي سُفك عند مثلث الطيونة – الشياح – عين الرمانة حيث سقط 7 قتلى ونحو 32 جريحاً في مواجهاتٍ اندلعت على تخوم ما كان يُفترض أن يكون «أول غيث» الضغط الشعبي من الثنائي الشيعي للإطاحة ببيطار قبل أن يأخذ «الخميس الأسود»، أياً تكن ملابساتُ انطلاق «أول رصاصة»، هذه القضية إلى بُعدٍ أصبح بحجم كل تعقيدات الواقع اللبناني وتوازناته ومحاولات ترسيم حدود جديدة للموازين فيه.

وأبدت الأوساط الواسعة الاطلاع مخاوف كبرى من أن الأضرار المباشرة وغير المباشرة لوقوع البلاد والحكومة بين «فكي كماشة» أزمة المحقق العدلي وأحداث الطيونة لم يعُد بالإمكان تجنُّبها، وهي ستصيب ما تبقى من «خيْط رفيع» كان يحْفظ للقضاء برمّته «خط الرجعة» نحو استقلالية عن السلطة السياسية، كما ستفتح المشهد الداخلي على المزيد من استثمار اندفاعة النار الأخيرة في اتجاهات عدة أبرزها: نصْب «كمائن» وتصفية حسابات تتصل بالانتخابات النيابية كما الرئاسية المقبلة، ومحاولة «الإطباق» على حزب «القوات اللبنانية» في ضوء عملية الـ scanning التي لابد أن تكون حصلت لكيفية إدارته مع أطراف آخرين حاضرين في منطقة عين الرمانة المواجهة التي حصلت والتي تصرّ «القوات» على أنها كانت عبر «الأهالي دفاعاً عن النفس بوجه الاعتداء عليهم» في مقابل تَمَسُّك «حزب الله» خصوصاً بأنها كانت «كميناً معداً من القوات لتجمّع سلمي جرى الغدر به عبر قنّاصة».

ولم يعُد خافياً أن ملفيْ بيطار وموْقعة الطيونة تحوّلا «القفل والمفتاح» في الإفراج عن جلسات مجلس الوزراء بعدما كان الثنائي الشيعي علّق المشاركة فيها الثلاثاء الماضي وفق معادلة «إما الإطاحة ببيطار وإما لا حكومة»، وسط معطيات أن الثنائي «طوّر» شروطه لينضمّ إليها تحويل أحداث الخميس على المجلس العدلي ومحاسبة المقصّرين من أجهزة أمنية وعسكرية.

ولم يكن عابراً الكشف عن اجتماعٍ سيعقده مجلس القضاء الأعلى بعد غد الثلاثاء، مع القاضي بيطار للاستماع إلى رأيه حول مسار التحقيق في قضية المرفأ، وهو الاجتماع الذي كُشف عنه بعد لقاء حصل، أمس، بين ميقاتي ووزير العدل هنري خوري ورئيس «القضاء الأعلى» القاضي سهيل عبود والنائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات.

وتم خلال الاجتماع البحث في ملف الأحداث الأمنية التي حصلت في الطيونة وضرورة الإسراع بالتحقيقات الجارية لكشف الملابسات الكاملة لما حصل، وإحالة المتسببين بهذه الأحداث على القضاء المختص. ورغم أن رئيس الحكومة شدد خلال الاجتماع على أن «الملف الكامل لما حصل هو في عهدة الأجهزة الأمنية بإشراف القضاء المختص»، مؤكداً أنّ «الحكومة حريصة على عدم التدخل بأي ملف يخص القضاء، وأن على السلطة القضائية أن تتخذ بنفسها ما تراه مناسباً من إجراءات»، فإن مناخاً ساد بأن رمي «كرة النار» في ملعب مجلس القضاء الأعلى (اكتمل نصابه بعد تعيين الأعضاء الأربعة الجدد فيه) معطوفة على ما كُشف عن أن الرئيس نبيه بري قال لوزير العدل «أريد حلاً سريعاً لإزاحة المحقق العدلي»، يعكس «انغماساً سياسياً» فاضحاً في عمل القضاء.

وعلى وقع تسريبات عن صيغ لمحاصرة بيطار عبر تعيين مساعدين له وحصْر دورهم بملاحقة الموظفين العسكريين والأمنيين والمشتبه بهم من غير رؤساء الحكومة والوزراء على قاعدة أن هؤلاء يُلاحقون أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، يجري رصْد إذا كان المحقق العدلي سيعمد إلى التنحي بحال استشعر أنه سيصبح «شاهد زور» في ملفٍّ تحوّل قضية حق وحقيقة ورأي عام في لبنان ومحور معاينة لصيقة دولياً.

مع الإشارة إلى أن المحقق العدلي يخسر ابتداء من الثلاثاء، «ورقة ثمينة» مع عودة الحصانة إلى النواب – الوزراء السابقين المدعى عليهم (مع بدء الدورة العادية للبرلمان)، وهو لم يبادر إلى تحديد موعد للنائبين غازي زعيتر ونهاد المشنوق لاستجوابهما قبل 19 الجاري بعدما كان أصدر مذكرة غيابية بحق النائب علي حسن خليل الذي خسر الخميس مع زعيتر طلب ردّ جديداً تقدما به ضد بيطار أمام محكمة التمييز المدنية.