كتب ناصر زيدان في “الأنباء الكويتية”:
من الإشارات البارزة على محاولات استثمار أحداث منطقة الطيونة، رفع سقف الاتهامات ضد القوات اللبنانية، والاعتداء الذي تعرض له الناطق باسم أهالي ضحايا تفجير المرفأ إبراهيم حطيط، واعتبار ما يجري مؤامرة خارجية موجهة ضد حزب الله، وتحويل التعارض السياسي والإعلامي حول دور قاضي التحقيق في انفجار المرفأ طارق بيطار الى اشتباكات أمنية كادت تطيح بكل السلم الأهلي في البلد المنكوب.
عشية أحداث الطيونة التي كانت خط تماس في الحرب الأهلية، ومنها انطلقت الشرارة في 13 نيسان 1975، كان الرئيس نجيب ميقاتي قد توصل الى اتفاق مع الأطراف المعنية، لاسيما مع الرئيس نبيه بري وحزب الله اللذين يطالبان بتنحية بيطار، وقضى الاتفاق بإعلان مجلس الوزراء عدم موافقته على شمول صلاحية المحقق العدلي اخضاع الرؤساء والوزراء الى سلطته القضائية، كون الدستور ينص على محاسبة هؤلاء امام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، علما أن غالبيتهم مطلوبون لتأكيد وقائع دامغة في ملفات بيطار، وليس كمشاركين في صنع الجريمة، فالرئيس حسان دياب مطلوب للإدلاء بشهادة عن اسم الذي طلب منه الغاء زيارته للمرفأ قبل اسبوع من وقوع الانفجار، والنائب علي حسن خليل مطلوب منه توضيح حول افادة غامضة لمدير عام الجمارك الذي كان يتولى سلطة الوصاية عليه، كذلك الوزراء نهاد المشنوق وغازي زعيتر ويوسف فينيانوس، والهدف الوصول الى المسؤول الأساسي عن الجريمة.
وتتساءل الأوساط المتابعة: لماذا يستنفر حزب الله كل قواه السياسية والعسكرية لقلب الطاولة على القاضي بيطار؟ علما أن بيطار لم يستدع أيا من مسؤوليه الى التحقيق بعد! ألا تكفي هذه الوقائع للدلالة على أن شيئا ما خطير ويمس الحزب يدفعه لاتخاذ هذه الموقف؟
وبصرف النظر عن تفاصيل ما حصل في الطيونة، لكن الحادث الأكثر خطورة منذ أيار 2008 يؤكد على استعداد الأطراف المعنية بالتحقيق لإشعال حرب هروبا من تحمل مسؤولية ما جرى في المرفأ، نظرا لقساوته السياسية عليها. وحتى الآن فشلت القوى المعنية بحادث الطيونة في اقناع الرأي العام بأدلة دامغة حول ما جرى، ومن بدأ بافتعال المشكلة. فالقوات اللبنانية أخطأت في التعامل الإعلامي مع التظاهرة التي كان يعد لها الثنائي الشيعي الى قصر العدل، واعتبرتها تحديا رغم أن حق التظاهر مكفول للجميع بموجب الدستور. أما حزب الله الذي لم يسيطر على جمهوره ولم يمنعه من الانحراف عن خط التظاهرة الى احياء سكنية معارضة، فقد تبين أنه يستثمر الحدث ومستعد للقيام بأي فعلة تحول دون استمرار القاضي بيطار في مهامه، بما في ذلك توتير الجو أمنيا لقلب الصفحة، وهي ورقة يستخدمها حزب الله بالعادة، نظرا لما يملكه من فائض قوة مسلحة ظهرت على الشاشات في المدة الأخيرة وقبلها.
وإذا كان معظم الضحايا الذين سقطوا في 14 تشرين الاول ينتمون الى طرف واحد تقريبا، ذلك لا يؤكد أن الطرف الآخر قد قام بالاعتداء بالكامل، وقد فشل حزب الله في اظهار أي دليل على مسؤولية القوات اللبنانية، وبعض كلامهم عن خطة أميركية لإيقاع الحرب، مجرد تحليلات لا تستند الى أي وقائع، ولم تظهر الصور التي انتشرت أيا من عناصر القوات يحمل سلاحا حربيا، بينما ظهرت عناصر حزب الله علنا وهم يحملون السلاح الخفيف والثقيل ويطلقون النار في الشوارع، وهناك قطبة مخفية حول هذا الموضوع، بما فيها احتمال وجود طرف ثالث يحمل اجندة خاصة، ومسؤولية اظهار هذه الخفايا تقع على الطرف الذي يحاول استثمار أحداث الطيونة في التحقيقات الجارية بملف المرفأ.