كتبت ليا القزي في الأخبار:
سيمرّ وقتٌ قبل أن يطوي سكّان عين الرمانة صفحة «الخميس الأسود»، ويزول الخوف من نفوس من غادر من سكانها على وقع الرصاص، ويترددون في العودة إليها بعد. يُصعّب من معالجة الحالة، غياب المواكبة السياسية – الشعبية لتطويق ذيول ما بعد الحادثة. اتصالات ولقاءات عادية تجمع بين حركة أمل وحزب الله وبين حزب الله والتيار الوطني الحرّ، فيما القطيعة تامة مع القوات اللبنانية، الطرف الأساسي المُتهم بالضلوع في الجريمة.
عين الرمّانة صباح الاثنين. مظاهر حياةٍ «طبيعية» تطفو فوق جُرح الخميس الماضي. بائع التفّاح أمام بسطته، «أبو علي» مُنهمكٌ في تصليح سيارة داخل كاراجه، المُقاتل – الضحية – في الحرب الأهلية ينتظر داخل متجره للألبسة عودة التيّار الكهربائي، «رجال الحيّ» مُتجمّعون أمام مكتب مُختار المحلّة، صاحبة متجر التُحف تُداعب هرّة على الرصيف، سكّان يتوافدون لتعبئة غالونات من محال لبيع المياه… نشاطاتهم اليومية، التي كانت عادية قبل أسبوع، طرأ عليها عُنصرٌ جديد: أحداث الخميس. مرور الأيام لم يُبرّد النقاش في هذا الموضوع، ويوجد جوّ عام بأنّ الدم الذي سال سيُصعّب طي الصفحة قريباً.
«يوم الخميس أوصلنا رسالة بأنّنا لسنا لقمة سائغة للأكل، فهي لم تكن المرّة الأولى التي نتعرّض فيها لاستفزاز الإخوان»، يقول بائع الخضار. يروي، هو وآخرون، عن «اعتداءات عدّة جرت سابقاً من شباب يدخلون إلى المنطقة على الدراجات النارية». تراكماتٌ وخلل في العلاقة بين «الجارَين» لم تُعالَج سابقاً، أوصلت إلى «تبرير» أغلبية السكان لما جرى الخميس، لا بل «الترحيب به» من منطلق «إظهار القوة وترسيم الحدود». وفي الوقت نفسه، التمسّك برواية أنّه «لا إطلاق نار من عين الرمّانة». يتسلحون بعدم تداول «فيديوهات أو صور من عنّا، كلّها عن مسلحين من عندن. نعم، نزل شبابنا إلى الشارع، ولكن لحماية البيوت والدفاع عنها». الساعة الحادية عشرة وخمس دقائق «بدأ إطلاق النار، لم يكن هناك سلاح واحد ظاهر في عين الرمانة. وكلّ المناوشات انحصرت في شارع طوله 30 متراً يتفرّع من جادة سامي الصلح، جنب مدرسة الفرير». يُصرّ الأغلبية خلال الكلام معهم على تظهير التعايش مع «الآخر الشيعي». هذا «أبو علي»، مثلاً، يعمل في كاراجه منذ سبع سنوات، ولم يتعرّض له أحد. وذاك حسين يومياً «نُمضي وقتنا معاً». وهناك الجيران الذين غادروا يوم الخميس خوفاً من الرصاص «رأيتهم اليوم في منزلهم». ولكن، «يوجد شاب يعمل في محل لدينا، ظهر وجهه في الفيديوهات يُطلق النار علينا، أوصلنا له رسالة بمنعه من دخول عين الرمانة». يقولون إنّه «لا مُشكلة بين شعبَي المنطقتين، المشكلة بوجود حزب مُسلّح يُريد أن يسيطر علينا. نحن لا نُريد الحرب». ماذا عن التجييش والغليان الذي يُعبّر عنه في التصاريح وعلى وسائل التواصل الاجتماعي؟ يردّ أحدهم بوجود فرق «بين من يلحق بالأحزاب وبين من همّه فقط الاسترزاق والاهتمام بعمله»، نافين ما يتردد عن تهديد أصحاب عمل ومطالبتهم بإخلاء محالهم والمغادرة.
من خارج الجوّ الشعبي الغالب لمصلحة القوات اللبنانية، والمؤيّد لموقفها من جريمة الخميس، يبرز رأي رجل ستّيني «بحبّ شخص واحد لأنو قوي هوي جبران باسيل. بس ما بلحق زعيم، وما بموت كرمال حدا. أنا قاتلت وانخطفت وانصبت بالحرب الأهلية، وبعرف انو كل شي صار بصبّ لمصلحة بلاد كبيرة، لمصلحة أميركا يللي بدّها تخلص من حزب الله». يروي عن استفزاز انطلق من داخل عين الرمانة تجاه المتظاهرين، «وكان المطلوب توريط حزب الله، ولكن وجدوا حركة أمل على خطّ التماس بوجههم. لو أنّ الحزب كان في الواجهة، لاستمرت المعارك حتى اليوم». ولكنّ الرجل «عتبان» على حزب الله، «كُنت أحبّ السيد حسن، قبل أن يتدخل في زواريب السياسة… مثلاً، لماذا هذا الموقف من القاضي طارق البيطار؟».
الهدوء الظاهر لا يعكس بالضرورة الوضع الفعلي في عين الرمّانة. فعلى مستوى الأفراد، وتحديداً المُنتمين إلى الطائفة الشيعية الذين يسكنون في عين الرمانة أو يُرسلون أولادهم إلى مدارس في نطاقها، هناك خوف من العودة حالياً. ذاكرة الحرب الأهلية جدّدت نفسها بعد ما جرى، «هذا بالتحديد ما يجب أن نعمل عليه: إعادة الأمور لنصابها وبثّ الطمأنينة لأبناء المنطقة أن لا أحد سيعتدي عليهم»، يقول النائب آلان عون. تواصل التيار الوطني الحرّ بعد الجريمة «مع الناشطين والمسؤولين لدينا، من باب التهدئة واستيعاب ما جرى». أما على المستوى السياسي، «فاستمررنا بالاتصالات الروتينية مع حزب الله. بالنسبة إلى القوات، لم يحصل أي تواصل معها في المنطقة». بالنسبة إلى التيار الوطني الحر، يجب أن تأخذ أحداث الخميس «مجراها القضائي، فهو الإجراء الأسلم للمحاسبة. ويجب أن تُضاعف كلّ الأحزاب جهودها من أجل عدم تكرار ما جرى، خصوصاً أنّه يوجد توتّر كبير وقد سقطت دماء».
في الإطار نفسه، يتحدّث النائب فادي علامة عن مُجريات «نقّزت الناس» يجب العمل لمعالجة ذيولها، «بالمواكبة مع تبادل الرسائل السياسية لحلّ أصل الأزمة، وفكفكة العوامل التي أدّت إلى استغلال ما جرى من قبل البعض». إضافةً إلى ذلك، «التمسّك بالقانون والدستور لمعرفة حقيقة ما جرى في انفجار المرفأ ومجزرة الطيونة».
استيعاب الـ«ميني حرب» لدى التيار الوطني الحر وحركة أمل، يُقابله تصعيد سياسي من جانب القوات اللبنانية. يُصرّ أحد نوابها على أنّه «لا يوجد ذيول لمعالجتها، بل سبب واحد: أن يتراجع حزب الله عن فوقيته وتحدّيه للدولة وللقضاء. أما إذا أصر على هذه الطريقة، فستستمر التداعيات. لبنان ليس إيران ولا اليمن ولا سوريا». التهديد القواتي بالتصعيد يترافق مع تأكيد نفي المسؤولية المباشرة عن إطلاق النار، «لو تدخلت القوات لقامت بمعركة وليس مناوشات، ولكن ماذا يظنّون؟ أن يُهاجم الناس وتُكسّر أرزاقهم ويردّون بالورد؟ أما ما قصده جعجع عن «ميني 7 أيار»، فهو هجوم حزب الله على المسيحيين هذه المرة، كما هجم على السنّة عام 2008». على رغم ذلك، يُشير النائب القواتي إلى أنّ «مجريات الخميس غامضة وهي رهن التحقيق. معلوماتنا أنّ الشارع هادئ والقصّة انتهت، نحن لا نريد حرباً ونُريد التهدئة. ولكن لن نركع لأحد بعد اليوم».
بطبيعة الحال أنّ «ما قبل المجزرة ليس كما بعدها»، يقول النائب علي عمّار، مُضيفاً أنّ منطقة عين الرمانة – الشياح – الطيونة «حسّاسة تاريخياً، إلا أنّنا أجرينا لقاءات مع فعاليات محلية ومن المجتمع الأهلي بيّنت وجود وعي ورفض العودة إلى الحرب». أما في السياسة، فـ«إصرار القوات على تبنّي المجزرة يؤكّد أنّ لبنان في خطر. توجد معطيات تصل إلى حدّ القطع عن مُخطّط أميركي – صهيوني – خليجي لإشعال الحرب الداخلية. يستعملون الورقة التي يعتقدون أنها رابحة، بعد سقوط كثير من الرهانات السابقة». وقد يكون من أهداف المجزرة واحد من خيارين: إما شدّ العصب طائفياً لاستثماره في الانتخابات، أو إطلاق النار على إجرائها. حزب الله من أشدّ الحريصين على حصول الانتخابات النيابية، ولن يُستدرج إلى الحرب، من دون أن يعني ذلك التفريط بدماء سقطت».