كتب محمد دهشة في نداء الوطن:
حلّت الذكرى السنوية الثانية للتحركات الشعبية – “انتفاضة 17 تشرين الاول” في صيدا، بلا حراك… وزخم ساحتي الثورة عند تقاطع ايليا والشهداء تلاشى، عزيمة المحتجين لم تمت ولكنها تخبو اليوم وقد تضافرت اسباب كثيرة لذلك، جعلتهما خاويتين على عروشها بعدما تحولتا منبراً حرّاً للتعبير عن مطالب المحتجين على مدى عامين، بدءاً من اسقاط النظام على قاعدة “كلّن يعني كلّن”، مروراً بمحاربة الفساد واستعادة الاموال المنهوبة ومحاكمة المتورطين، وصولاً الى الهاء الناس بلقمة عيشهم في بلد الازمات اليومية والمفاجئة والغلاء وارتفاع الاسعار.
غياب الحراك عن إحياء الذكرى طرح تساؤلات كثيرة عن نظرة الشباب لهذه الانتفاضة، وهل يمكن ان تحقق انتصارها، هل غيّرت من حياتهم واسلوبهم ونظرتهم الى القوى السياسية، من صمد ومن هاجر، حتى الى طريقة إختيار الشعارات وهل باتت صالحة ليومنا؟ الانتفاضة التي بدأت بدولاب كان يساوي خمسين الف ليرة لبنانية وبات اليوم يساوي خمسمئة الف، والاهم هل ان ساحة الثورة عند تقاطع ايليا التي شكلت “موزاييكاً” لمجموعات “حراك صيدا” عند اندلاع التحركات الشعبية باتت تتقاطع مع السياسة تناغماً حيناً او غياباً حيناً آخر او قطيعة احياناً.
يقول الناشط في الحراك الصيداوي وليد السبع أعين لـ”نداء الوطن” أن “الحراك لم يمت، ما زال موجوداً وكالجمر تحت الرماد وقد يستعيد ناره عند اي تطور”، ويعدّد 4 اسباب لتراجعه: “إحباط عدد كبير من الثوار الذين هبوا للاحتجاج بعد مرور عامين من دون تحقيق الاهداف وبعضهم فضّل الهجرة، التدخلات السياسية واستقطاب بعض المجموعات انسجاماً مع التبعية او شد العصب الطائفي او المذهبي، الاوضاع الاقتصادية المتردية والازمة المعيشية الخانقة وقد اجبرت الناس على السعي لتأمين قوت اليوم من دون الالتفاف الى اي قضايا اخرى، والسبب الرابع مرتبط زمنياً باحداث الطيونة الاخيرة، فالتوتر الامني انعكس على مجموعات صيدا رغبة بالهدوء والترقب”.
ورغم الاحداث الامنية المتنقلة التي عصفت في اكثر من منطقة خلال التحركات الاحتجاجية، تميز حراك صيدا بسلميته وحضاريته، ولم يقع اي صدام كبير مع القوى الامنية والعسكرية وكانت تواكبه وتحرص على امنه، وقد تركز باتجاه الادارات الرسمية، فبدأ من امام مركز “اوجيرو” وشركة الكهرباء المجاورة في شارع حسام الحريري، قبل ان يتخذ من ساحة “ايليا” مركزاً ومنطلقاً ويمتد الى فرع مصرف لبنان والمصارف وباقي ادارات الدولة.
ويقول الناشط في الحراك و”التنظيم الشعبي الناصري” سهيل زنتوت لـ”نداء الوطن”:”هناك اسباب أخرى ادّت الى التراجع ومنها عدم تناغم كل المجموعات الصيداوية مع بعضها البعض، هناك سوء فهم لدور الناشطين الحزبيين وتتدخل المزاجية والسياسة، فتحصل حيناً مقاطعة للنشاط او عدم المشاركة فيه بقرار موحد، علماً انه يخدم التوجه العام، هنا تتقدم المصلحة الشخصية على العامة، وهناك سوء فهم بين الناشطين المستقلين الذين اندفعوا للمشاركة في الانتفاضة بسبب الوجع والمعاناة هؤلاء اصيبوا بالاحباط وبخيبة الامل لانهم لم يحققوا اهدافهم كما كانوا يرجون، بينما نحن في “التنظيم” نعتبر انتفاضة 17 تشرين الاول محطة من محطات النضال الطويلة، قد لا تحقق اهدافها بالكامل ولكنها ليست نهاية المطاف، هي تراكم للمواجهة في وجه السلطة الفاسدة التي ما زالت تعيد انتاج نفسها وتتصارع في ما بينها على الحصص والمحسوبيات ولكنها تتفق ضدّ المصلحة العامة والناس”.
وأكد زنتوت “ان انتفاضة تشرين الاول لن تموت”، وقال: “كنا بصدد تنظيم نشاط سياسي – فني في الذكرى الثانية للتأكيد على انها باقية ونحن موجودون رغم خبو تحركاتنا، ولكن للاسف الأحداث الاخيرة في الطيونة وسقوط الشهداء والجرحى دفعنا الى التريث نتيجة القلق من التطورات والنزول الى الشارع، في المقابل حرصنا على رفع لافتات باسم الحراك والتنظيم في الساحات العامة، وخاصة ايليا، الشهداء، النجمة ومرجان… تؤكد على مطالبنا العادلة وان الذكرى لم تمر مرور الكرام وستبقى خالدة ومجيدة في تاريخ لبنان الحديث”.